ثلاث وسبعين ثم ولى قضاء المدينة النبوية وخطابتها وإمامتها ، على قاعدة من تقدمه ، فى سنة خمس وسبعين بعد وفاة القاضى بدر الدين بن الخشاب ، وأتاه الخبر بذلك إلى مكة فى سابع عشر رجب من السنة المذكورة ، وتوجه إلى المدينة ومعه عمه القاضى نور الدين على بن أحمد النويرى.
وبلغوها فى مستهل شعبان ، وباشر جميع ما فوض إليه ، ولقى من كثير من أهل المدينة أذى كثيرا بالقول ، فقابل كثيرا من ذلك بالصفح والإحسان ، ثم صرف عن الخطابة والإمامة مديدة يسيرة بالشيخ شهاب الدين الصقلى ، ثم عاد إليه ، واستمر على ذلك حتى صرف عنه فى جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ، لما ولى قضاء مكة وخطابتها بعد عزل القاضى شهاب الدين بن ظهيرة على ما كان عليه ، وجاءه الخبر بذلك وهو بالمدينة.
وتوجه إلى مكة ودخلها فى أول العشر الآخر من رمضان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ، وباشر ما فوض إليه من الحكم والخطابة وغير ذلك ، ثم أضيف إليه فى سنة تسع وثمانين تدريس درس بشير الجمدار ، ثم أضيف إليه تدريس المدرسة المجاهدية بمكة.
واستمر على ذلك حتى مات فى ليلة الأربعاء تاسع عشر شهر رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة عند أبيه ، وكثر الأسف عليه ، لما فيه من المحاسن العديدة ، فإنه كان كثير التودد للناس مجملا لهم ، مع عقل راجح وديانة وصيانة وعفاف ، وكان نشأ على ذلك من صغره ، ولديه فضائل ومعرفة بالأحكام ، ورزق فيها من صغره السداد مع الهيبة والحرمة ، وكان نقمة على الرافضة بالمدينة ، وله فى إهانتهم لإعزاز السنة أخبار كثيرة ، ولم يحترم منهم فى ذلك كبيرا ، حتى إنه كان يغلظ لأميرهم عطية بن منصور صاحب المدينة.
ومما جرى بينهما فى ذلك ، أن عطية قال له يوما ما معناه ؛ يا قاضى ، أنا مثل هذه المنامة ـ يعنى سارية من سوارى المسجد النبوى ـ إذا طحت على شىء كسرته ، وإن طاح على شىء انكسر.
فقال له القاضى محب الدين المذكور ما معناه : هذه المنامة إذا رأينا منها خللا أزلناها وأقمنا عوضها أخرى. فأفحم عطية ولم يحر جوابا ، وقال : قتلنى ابن النويرى.
وكان له حظ وافر من العبادة والذكر وصحبة أهل الخير وخدمتهم والإحسان إليهم ،