عمر السمكة بعد صيدها أطول منه قبله. ولكن ربيب الثلج هذا لا وجود له إلا في المدن.
الغنى والفقر في إنكلترة
ومن قدم إلى لندرة ورأى فيها تلك الحوانيت العظيمة والأشغال الجمّة والغنى والثروة حكم على جميع الإنكليز بأنّهم أغنياء سعداء ، ولكن هيهات ؛ فإنّ أهل القرى هنا كأهل القرى في الشام بل هم أشدّ قشفا. وكثيرا ما تقرأ حكايات تدلّ على بؤسهم ، وقشف معيشتهم ممّا لا يقع في بلاد أخرى. فمن ذلك حكاية عن حائك شكا حاله إلى إحدى النساء المخدومات فقال : «يا سيدتي إنّي حائك وإنّ لي امرأة وثلاثة أولاد بقوا من عشرة فجعت بهم ، ودخلي من كدّي الليل والنهار لا يزيد على سبعة شلينات في الأسبوع ، ولكن عليّ أن أعطي منها شلينا واحدا لأجل النول ، وأربعة في الشمع الذي أسهر عليه. فقالت له : وكيف تعيش على هذا الدخل القليل؟ قال : على قدر الإمكان. ألا وقد مضى علينا ستة أشهر لم نشتر فيها رطلا واحدا من اللحم ، بل لا نقدر على مشترى الحليب إلا بالجهد ؛ فجلّ طعامنا إنّما هو الشعير وحساء الماء. وقد يكون لنا في بعض أيام الآحاد ادام من البطاطس. أمّا أنا فلا أبالي فإنّي قد ألفت البوس ، والضنك ، ومذ سنين عديدة لم أعرف شيئا من الدنيا سوى الكدّ والكدح المبرح على قلّة الأجرة ، ولكن همّي بالأولاد ، وبأمّهم النحيفة.
فقوله : إنّه لم يقدر على شراء الحليب مع كونه في الريف أرخص الأشياء بالنسبة إلى غيره يغنيك عن مزيد البيان فيما يكابده هؤلاء الناس. وكثيرا ما تقرأ أيضا في صحف الأخبار عن أناس تركوا أولادهم من الإملاق ، أو ماتوا من الجوع والبرد ، أو النوم على الأماكن القذرة ، أو اعتفدوا (١١٧) فماتوا جوعا. نعم إنه يوجد مستشفيات وملاجئ يقوم بها الأهلون إمدادا للفقراء والعاجزين ونحوهم إلا أنها ربّما كان عدد من فيها لا يقبل الزيادة ، أو كان اللبث فيها ضنكا أو الدخول إليها صعبا ونحو ذلك.
__________________
(١١٧) اعتفد : أغلق بابه على نفسه ، لا يسأل أحدا حتى يموت جوعا. (م).