وقد يبلغ من فقرهم أنهم يتركون طفالهم بغير معمودية لئلا يعطوا القسيس مصروفها. وأعرف في القرية المذكورة أولادا كثيرين لم يتعمّدوا مع أنّهم من رعية الكنيسة المتأصّلة التي توجب المعمودية ولا تأذن لمن مات غير معمّد أن يدفن في مدافنها فتنزله منزلة المنتحر.
سبب فقر الفلاحين
وسبب فرط فقر الفلاحين هنا هو كون الأرض قد دحاها الله تعالى لأن تكون ملك الأمراء والأشراف فقط ، فيستاجرها منهم أناس مأمونون ، ويستخدمون بعض الفلاحين في حرثها واستغلالها ، فلهذا لن تجد في القرية أحدا ذا رواء ورياش إلا مستأجر الأرض ، وقسيس القرية على أنه لا يلي شيئا من أمور أولاده الروحيين سوى الخطبة فيهم يوم الأحد لأنّه يستخدم تحت يده قسيسا يعطيه نحو ثمانين ليرة في السنة ، ويلقي عليه أحمال الكنيسة ، وهذا المبلغ هو دون وظيفة طباخ الأسقف في بلاد الإنكليز ، فعلى هذا القسيس أن يعمّد أولاد الرعية ، وأن يدفن الموتى منهم ، ويزوّج أحداثهم ، ويعود مرضاهم وغير ذلك.
نمط عيش الفلاحين
وعدد ملاك الأرض في إنكلترة نحو ستّين ألف عيلة لا غير ، وقلّما يذوق هؤلاء المساكين اللحم ، فجلّ أكلهم الخبز والجبن ، فجزّار القرية لا يذبح شاة أو بقرة إلا مرّة في الأسبوع ولا يبيع من اللحم إلا نصف رطل أو ربعه ، وإذا ذبح شاة فلا يسلخها ويجزر لحمها إلا بعد يوم ، والبقرة بعد يومين أو ثلاثة. نعم إنّه قد يربّي أحدهم خنزيرا في دويرته ويذبحه ويتّخذ لحمه كالقورمة (١١٨) التي تتّخذ في برّ الشام ، ويطعم
__________________
(١١٨) القورمة : لحم ييطبخ بشحمه مملحا ، ويحتفظ به إلى وقت الحاجة ، حيث يستعاض به عن اللحم الطازج. (م).