منه في أيام الآحاد. ومن كان ذا يسر قليل اشترى قطعة لحم في يوم السبت وطبخها وتبلغ بها عامّة الأسبوع باردة ؛ إذ ليس تسخين الطعام مألوفا عندهم فهم أحرى أن يأكلوه بائتا مذ أيام من أن يسخّنونه ، ولمّا طلبت من المرأة التي كنت نازلا عندها تسخين طعام بقي لي من الغداء لم تكد تفهم مني إلا بعد شرح وتفسير ، وراح كلّ منّا يتعجّب من صاحبه.
وليس في القرى مواضع للهو والحظّ ، وإذا أرادوا اللهو عمدوا إلى أجراس الكنيسة يضربونها فتقوم عندهم مقام آلات الطرب. ومن الحظ عندهم أن يجلس الرجل مع امرأته ينظران إلى الخنانيص التي يربّيانها أو إلى ما يزرعانه من خسيس البقول في عرصته ، فإنّ لكلّ منهم في الغالب بضع أذرع من الأرض أمام بيته يزرع فيها نحو الفجل والكرنب وما أشبه ذلك ولو لا ذلك لكانت عيشتهم شرّا من عيشة البهائم.
صعوبة الحياة في الريف
وقد ترى في القرية دكّانا فيه نفاية ما يباع من الشمع والصابون والسكر والبن والشاي، وبيتا حقيرا يباع فيه شيء من البصل والبطاطس والحلويات الرديئة والتفاح المسيخ تنظرها من طاقة البيت ، ولو اشتريت ذلك جميعه لما بلغت قيمته خمسين قرشا. وفي أوان الشتاء لا يمكن للإنسان أن يخرج من منزله لاستنشاق الهواء وذلك لكثرة الوحل في الطريق فقد يمكث عدّة أيّام رهين بيته. وليس في القرى خيل أو حمير أو بغال أو عواجل تكرى فليس إلا مركوب النعل ، وقد يكون لبعض المتشبّعين عجلة يحركونها بأرجلهم إذا أرادوا أن يذهبوا من قرية إلى أخرى فتجري بهم من دون حصان ولا حمار ، وبعضهم يكون له عاجلة صغيرة مفتوحة يجري بها حصان صغير فمثل ذلك لا يدفع عليه شيء للميري ؛ فأما العواجل المعتادة ، والخيل فلا بد من الأداء عليها كما سيأتي بيانه في محله.
وكنت كلّما اضطررت إلى المؤنة ذهبت إلى البلدة ماشيا ، ومرّة اضطررت إلى أن أذهب في التابوت الذي ينقل فيه الدّمان (١١٩) ، لكنّه كان فارغا. وعلى فرض أن
__________________
(١١٩) الدمان : الزبل. والتابوت : الصندوق. (م).