في الفينيقية : بر وصد ، وغير هذا كثير ممّا له لفظ واحد ومعنى واحد في كلتا اللغتين ، والحاصل أن مأخذ اللغة المالطية من الفينيقية أرجح من أن يكون من العربية وإن كانت قريبة من هذه أيضا.
قلت : دليله هذا أوهى من بيت العنكبوت ، فإن البير والصيد ينطق بهما في لغتهم كما في لغتنا سواء ما عدا موافقتهما في تصريف الافعال والأسماء وفي الضمائر ، وغير ذلك من أساليب الكلام كما سيأتي بيان ذلك.
ومن الغريب أنّ المؤلّف لا يعرف الفينيقية ولا العربية ولا المالطية وإن كانت لغته ، ويتعرّض للحكم والاستدلال فكيف يحكم على الشيء وهو يجهله ، وكيف يقول أولا : إنّ لغة المسلمين بقيت في أهل مالطة لشدّة الالتحام الذي كان بين الفريقين ، ثم يقول الآن إنها فينيقية لمجرد وجود كلمتين فيها ، وإنما حمله على هذا بغضته وبغضة أهل بلاده للعرب ، وتبرئة أنفسهم أنهم ليسوا منهم بل من الفينيقيين ؛ إذ كان هؤلاء كما ذكر أرباب جدّ وتجارة ، والعرب عند أهل مالطة كناية عن الهمج ؛ وذلك لجهلهم التواريخ ، ولأنهم لا يرون الآن إلا صعاليك المغاربة. والظاهر أن المسلمين الذين فتحو مالطة لم يكونوا من أهل العلم والتمدّن كالذين كانوا في صقلية وغيرها ؛ فإنّي لم أجد فيما قرأت قط من كتب الأدب والتواريخ قال المالطي ، والسيوطي رحمهالله لم يغادر في كتاب الأنساب الذي سمّاه لبّ اللباب أحدا من أهل العلم إلا وذكره ما خلا المنسوب إلى مالطة.
قال أمّا جزيرة (غودش) وتسمّى بالإفرنجية كوتزو فزعم بعض : أن هذه اللفظة يونانية ومعناها مركب مستدير ، وهي كأنها ذيل انقطع من مالطة ، وطولها اثنا عشر ميلا في عرض ستّة وأهلها نحو خمسة عشر ألفا ، وجملة قراها ستّ ، ومدينتها تسمّى الربط (كأنه محرّف عن الربض) وفيها أثار قلعة قديمة. وبقول الجزيرة وفاكهتها طيّبة جدّا وكذا عسلها حتى إن الأقدمين كانوا يفضّلونه على عسل جبل هبلا. ويرد منها إلى مالطة قوارب كثيرة مشحونة بالفاكهة والبقل والسمك. وحكومتها ملحقة بمالطة ، وكذا كانت في الزمن القديم. وزعم بعض أن مالطة وغودش وكمونة كانت في الأصل جزيرة واحدة وحدث لها من الزلازل ما فرّقها.
(انتهى المنقول من كتاب مختصر ألّفه مكلف في تاريخ مالطة)