والنساء ، وكثيرا ما يتفق أن الرجل حين يقبض أجرته يذهب إلى الحانات وينفقها فيها ، فيرجع إلى أهله صفر اليدين فيقوم النقار بينه وبين زوجته ، أو أن يعطيها لزوجته فتذهب هي وتنفقها في المسكرات. ففي هذه الليلة ترى النساء يتضاربن بعضهن مع بعض أو مع بعولتهن أو مع غيرهم ، وكذا شأن الرجال. وكثيرا ما رأيت النساء يغلبن الرجال ويجررنهم بنواصيهم ، وكثيرا ما ترى امرأة مشرومة الأنف أو مملوقة (٣٥٠) العين أو مخلوعة اليد ، أو صرعى في الطريق من الخمر والضرب ، كل ذلك من بركات هذه الليلة. ولو لا أن أصحاب الحانات مشروع عليهم أن يقفلوا حوانيتهم في نصف الليل ، ومن خالف ذلك يغرّم خمس ليرات ، لبقوا وبقين على الجن والروم والجعة إلى الصباح. والواقع أن العملة من الإنكليز وذوي الحرف أقرب إلى مزية الكرم منهم إلى البخل ، فإنهم في تلك الليلة ينفقون إنفاق من لا يخاف الفقر ، ويشترون قطع لحم كبيرة ويتخذون حلواء من الفاكهة وغيرها. وفي يوم الأحد يشربون القهوة بفناجين مخصوصة وبالسكر الأبيض المكرر وهلمّ جرا. وأما عند أصحاب الدكاكين فلعلمهم أن يوم الأحد ليس فيه بيع ولا شراء فيطيلون المكث في دكاكينهم ، رجاء أن يكسبوا شيئا زائدا يكون عوضا عن بطالة الأحد ، فلهذا ترى للطرق والأسواق في تلك الليلة بهجة لا تراها في سائر الليالي ، وكذلك ليلة عيد الميلاد وبعض ليال قبلها ، فإن الدكاكين تبقى فيها مفتوحة وبعضها يكون مزيّنا ، وفيها تسمع آلات الطرب من جهات شتّى ، وترى الناس في إقبال وإدبار ومرح وارتياح.
طريق أكسفورد
ودون الطريق الذي مرّ ذكره في الغنى والرونق طريق اكسفورد ، إلا أنه أطول وأقوم ، وهو يفضي إلى هيد بارك وطوله ٣٠٤. ٢ أذرع ، وقد ترى في هذا الطريق وفي غيره عشرين دكانا للبرانيط ، ومثلها للنعال ، ومثلها للكتب ، ونحوها للخزّ ، ولا ترى من مطعم واحد أو نصف محل للقهوة.
__________________
(٣٥٠)