الدانيزيون وعداؤهم للعلم
ولو لا تخريب الدانيزيين وتدميرهم لكان العلم بين الصكصونيين قد تقدم كثيرا ، إلّا أن ملوك البحر أولئك كانوا على جانب عظيم من الجهل والجفاء ، وكانوا وهم على أصنامياتهم ينظرون إلى الصكصونيين المسيحيين كأنهم مرتدّة ، لأنهم كانوا أولا مثلهم عبدة أوثان ، ولهذا كانوا يرون أن فروض دينهم توجب عليهم إبادة أديار الرهبان وكتبهم ، وما كانوا يعرفون شيئا من جهة السماء سوى أنهم يشربون فيها المزر في جماجم أعدائهم ، ويأكلون من مأكول لا ينقص الآكل منه شيئا مهما أكل ، فمن ثم أتلفوا كتبا كثيرة كانت كلفت الصكصونيين أتعابا عظيمة في تحصيلها ، ولو أنها بقيت لنا لكنا ندري منها أمورا كثيرة نجهلها في تاريخ جميع البلاد.
عودة إلى الطباعة وانتشارها
قال واتفق في القرن الخامس عشر أن شابا اسمه «جون غانسفليش» ويعرف بغاتنبرغ ، من صقع سلغيلوش ، سافر إلى استراسبورغ وكانت مشهورة حينئذ بأنها سوق الكتب ، فأخذ يفكر في إحداث طريقة لتكثيرها ، فخطر بباله أنه إذا صنع حروفا تتركب وتنحل يبلغ بها أربه ، ثم رجع إلى ماينس ، واجتمع برجل اسمه فوست فتواطئا على إبطال نسخ الكتب لما فيه من المشقة بطريقة الطبع بتلك الحروف ، فسبكاها كما خطر لهما وكان ذلك في سنة ١٤٤٠ ، إلّا أن عملهما هذا لم ينتج فائدة إلّا بعد عشر سنين ، ويظن أن تلك الحروف كانت من رصاص أضيف إليه بعض أجزاء كيمياوية لجعلها صلدة قابلة للعمل المراد ، ثم دخل في شركتهما بطرس شوفر ، ثم طبع غاتنبرغ عدة كتب من جملتها التوراة المعروفة الآن بتوراة مازارين ، وقد راج بيعها واشتهارها كثيرا حتى إنه كان يقال إن طبعها من عمل الشيطان. وفي سنة ١٨٣٧ نصب له مثال على قبره إكراما له ، وأرسلت نواب من جميع دول الإفرنج لتحضر مشهده. ولما تفرّق الذين كانوا مستخدمين في مطبعته ذهب بعضهم إلى سوبياكر في إيطاليا فاشتهرت هذه الصناعة فيها في سنة ١٤٦٥ ، ثم سرت إلى باريس