تدل على فكر لهم وروية ، فلمثل هذه الحال يدّخر قول الإنكليز في التوبيخ : ألا تستحي من نفسك. نعم إن التاجر لا يطلب منه أن يكون شاعرا أو رئيس ديوان الإنشاء ، ولكن عار عليه أن يصرف إدراكه كله في معرفة الثوب الخشن من الرفيع ، ويرتدى بلباس الغفول عن أشرف ما ميّز الله به الإنسان عن البهيمة وهو النطق ، بل ليت هؤلاء يكتبون كما ينطقون ، فإني لا أحسب عجزهم في الكلام بالغا إلى هذا الحد. ولعمري إن صاحب الذوق السليم يمكنه أن يكتب عبارة رائقة من دون أن يدرس كتاب سيبويه ، أو فقه اللغة للثعالبي ، والمتفصّح من هؤلاء من يخلط العربية بالتركية أو الطليانية ، فيكتبون مركب يالكان ، وعلام مور ، وبرمق وجنابير وماكنة وبريمو ، ويا ليتهم يكتبونها على حقّها! فيا ليت شعري ما سبب هذا العدول عن لغتهم إلى لغة العجم؟ وما سبب هذا القصور عن تأدية عبارتهم بألفاظ متعارفة ، أو عن سبك معانيهم في كلام معجب مفصح؟ وما عسى أن يقال في تاجر فرنساوي يكتب رسالة ويحشوها بالألفاظ القبيحة ، والألفاظ الفاحشة في التركيب ورسم الخط؟ وما يكون قدره عند أقرانه ومعارفه ، وعند أصحاب الجرنالات ، وخصوصا ما يطبع منها للضحك والتهكم!؟ ألا فليحمدوا البلاد التي خلت عن هذه الصحف ، وعن رعاية حرمة العلم.
تنافسهم في العمل في هذا الخط
ثم إن تنافس الإنكليز في حصولهم في خط الستي ، سواء كانوا تجارا فيه أو كتّابا أو غير ذلك ، هو كتنافس القبط في استخدامهم في قلعة مصر. وقد ذكرت سابقا أن جميع الحوافل مكتوب عليها اسم البنك ، لأنها جميعها ترد إليه إلا ما ندر ، وبهذا تعلم ما يكون ثمّ من الزحام والتوارد. وفي الحقيقة فإن دوي المراكب في مسالك هذه البقعة لممّا يذهب بالصبر ، وما أظن أحدا من سكانها يمكنه أن يعمل فكره في شيء ، إلا فيما هو بين يديه من الشغل.