سعر الشيء الواحد متفاوتا على قدر تفاوت الساعات ، وأن تطوف السكارى في الأسواق ضاجّين زائطين بالغناء واللغط ، ثم يقال : إن ذلك حريّة؟ لعمري إن المحتسب في بلادنا خير من هذه الحريّة لأن الحريّة إنّما تكون حميدة مفيدة ما إذا روعي فيها مصلحة عمومية على أخرى خصوصية لا بالعكس ، فتبّا لحرية تفضي إلى تسويد اللئيم على الكريم.
وهذا الفساد الحاصل في البيع والشراء في مالطة هو بعينه في لندرة كما سنذكره في محلّه ، وسببه أنّه لّما كان ذووا الأحكام هنا وهناك لا يأكلون سوى أطيب المأكول ولا يشربون سوى أفخر المشروب غفلوا عن مصلحة الجمهور وظنّوا أنّ سمنهم موجب لصحة جميع عباد الله. ومن فساد الأحكام هنا أيضا أنّه إذا كان لأحد حقّ على آخر وأراد سجنه لزمه أن يقوم بمؤنته ، وإن يكن المديون لصّا أو متعدّيا ، وكان المحق عادلا فاضلا. ولا يخفى أن في ذلك حظرا للثقة والائتمان لأنّ حبس الغريم لا ينفع الدائن شيئا ، وأن السجن لكثير من الأشقياء المناحيس خير لهم من خصاصهم (٩٤). ولّما كان هولاء السفلة مفرطين في القبائح والشرور على ما ذكرنا كان من أهم الأشياء على الحرّ أن يتجنّبهم ما أمكن ، وليس عليه أن يحترز من الأعيان وذوي الأمر والنهي فإنهم لا يتطاولون على أحد لما يعلمون من قضية التسوية ، بخلاف العادة في البلاد الشرقية ، فإن أصحاب المناصب هم الذين يخشى بأسهم وشرّهم.
ومن فساد الأحكام أيضا أن القضاة تقبل شهادة أي شاهد كان سواء كان سكيرا أو شريرا ، وكذا شهادة النساء والأولاد مقبولة فمتى قبّل الشاهد الصليب مضت شهادته ، والإنكليز يحلفون على الإنجيل ، ومتى أقيمت دعوى حشد الناس لاستماعها وإن تكن من الأمور التي كتمها أولى من إذاعتها ، وهنا أيضا أنكر التسوية لأنه إذا حدث مثلا أمر مرّة بين والد وولده ، أو رجل وامرأته وكانوا من ذوي الفضل وأفضى ذلك إلى التحاكم لا ينبغي أن يجعل بمنزلة دعوى رجل على آخر بأنه سرقه أو شتمه. ثم إن من الأصول المقرّرة عند الإنكليز أن كل من يدخل أرضا تحت حكومتهم يصير حرّا وتجري عليه أحكامهم ، وقد جاء مالطة كثير ممّن كان لهم عبيد
__________________
(٩٤) خصاص : جمع خصّ بضم الخاء : بيت من شجر أو قصب. (م).