اختلاف الأذواق
ويرد على هذا التأويل أنّه لو كانت الموسيقى فضلة من المنطق لكانت واحدة الاستعمال كما أن المنطق واحد الضوابط ، على أن الناس متغايرون فيها تغايرا شديدا ، فإن ألحان العرب لا تطرب غيرهم بل هولاء أيضا مختلفون ، فإن أهل مصر لا يطربون لألحان أهل الشام ، وألحان الإفرنج لا تطرب أحدا من هؤلاء.
وعلى تأويل المنطق بالمعنى اللغوي ، وهو المراد هنا ، فقد جاء في شرح رسالة ابن زيدون لسلطان المتأدبين ابن نباتة ما نصّه : «النغم فضل بقي من المنطق لم يقدر اللسان على إخراجه ، فاستخرجته الطبيعة بالألحان على الترجيع لا على التقطيع ، فلمّا ظهر عشقته النفس ، وحنّ إليه القلب» والمراد بالترجيع لا التقطيع أن يكون الصوت ممتدّا ينحى(٩٩) به لا متقطّعا كأصوات الهجاء ، فإذا كان فن الموسيقى والحالة هذه فضلة من المنطق على هذا التأويل لزم أن نقول : إن لكل جيل من الناس محاسن في الغناء مقصورة عليهم فقط ، فإن لكل لغة محاسن وعبارة لا توجد في غيرها ، والواقع بخلاف ذلك فإن لغتي الصين والهند مثلا تشتملان على محسنات لا توجد في غيرهما إلا أن أنغامهم خالية من ذلك.
ألحان الإفرنج
أمّا ألحان الإفرنج فلا يطرب لها منّا إلا من ألفها ، وهي عندهم على أربعة أنواع : الأول : وهو أحسنها ، ما يتغنى به في الملاهي مثل الموشحات عندنا مع مدّ الصوت وترجيعه ، وخفضه ، ورفعه ، وترقيقه ، وتفخيمه ، وترجيفه ، وفيه تدخل حماسة وتحريض وتذمير.
والثاني : وهو يشبهه ما يرتّل به في الكنائس ولا يكاد يكون به ترجيف.
والثالث : ما يغنّى به في المحزنات والبثّ ، وفي هذا النوع يستعملون غناء رقيقا
__________________
(٩٩) ينحى به : يمال به. (م).