أشبه بالنجوى ، فمن يسمعه يلحّن ما المراد به وإن يكن جاهلا باللغة ، كما إذا رأيت شخصا مجهشا للبكاء فإنك تعلم إجهاشه بالبديهة ، وإن لم تعرف سببه.
والرابع : ما يتغنى به في المضحكات والمحاورات وهذا يقل فيه الترجيع ، ويكثر فيه النبر ، وتطريبه إنّما هو من حيث أنهم يصلونه بأشياء كثيرة ، وحركات مضحكة فيضحكون فيه ويقهقهون ويبكون ، ويتثاءبون ويعطسون ويحاكون به قيق الدجاج وصداح العصافير وغيرها. وفي كلّ من هذه الأنواع يستعملون المساجلة ، وهي مطربة جدّا وأكثرها في النوع الأخير ، ويوفقون عليه ألفاظا مولّدة غريبة. وكما أن لهم غناء مضحكا كذلك لهم رقص يحمل الثكلى على القهقهة.
الفرق بين ألحان العرب والإفرنج
أمّا العرب فإنهم يقولون : إن الرصد يشجي ، والسيكاه يفرح ، والصّبا والبيات يحزنان، والحجازي ينعش وينغش وهلم جرّا. والفرق بين الفريقين من عدّة وجوه :
الأول : إن الإفرنج ليس لهم صوت مطلق للإنشاد من دون تقييد بتلك النقوش ، فلو اقترحت على أحدهم مثلا أن يغنّي بيتين ارتجالا كما يفعل عندنا في القصائد والمواليات لما قدر ، وهو غريب بالنسبة إلى براعتهم في هذا الفن لأن الإنشاد على هذا النوع طبيعي ، وقد كان عندهم من قبل أن تكون النقوش والعلامات ، فياليت شعري كيف كانوا ينشدون قبل أن نبغ غويدو داريتسو في إيطاليا.
الثاني : إنه إذا اجتمع منهم عشرة مغنيين وأرادوا إخراج موشّح أخذ بعضهم في بعض أركانه من مقام وبعض في البعض الآخر من مقام غيره ، فإن كانت الأغنية مثلا من الرصد غنّى واحد جزءا من هذا المقام بصوت جهير ، وآخر جزءا من النوى بصوت رقيق ، وآخر جزءا من الجواب بصوت عال ، فيسمعه السامع من عدّة مقامات ، ويسمّى ذلك عندهم هرموني ، أي أن الأصوات تتألف على الغناء ، وفي هذه الطريقة فوائد ومخاسر ، أمّا الفوائد فلأن السامع يسمع في وقت واحد موشحا واحدا من عدّة مقامات بأصوات