وأصواتهم كلّها من أزوارهم ، وكأن المغنّي منهم يغنّي وقد غصّ بلقمة ، وجميع الإفرنج يقولون: إن غناء العرب من خياشيمهم. وعلى فرض تسليم ذلك فما يكون منافيا للإشجاء والتطريب ، فإن اللغة الفرنسيس لا يتكلّم بها إلا مع الغنة ، وهي مع ذلك أشجى لغات الإفرنج جميعا ، وربّما طرب لها من سمعها أول مرّة من عمره. وقد رأيت من الإفرنج من كان يطرب للأنغام المصرية ولكن غبّ طول مكث بمصر ، وكان في أول أمره يأنف منها ويقول : إنّها محزنة ، ولا يخفى أن للعادة تأثيرا في جميع الأحوال وخصوصا في المنطق والألحان ، وناهيك أن الأطفال عندنا وعند الإفرنج ترقد على الغناء ، فتعتاد عليه مذ الصبى ، فإذا امتزج بأمزجتها كان سماع غيره ضد المألوف ، وأهل مالطة يرقدون أطفالهم على ما هو أشبه بنواح الندّابات في بلادنا. ولو لا العادة لما عجزت الإفرنج مع حكمتها عن النطق بأحرف الحلق (١٠٣) ، وهي التي وفّت حقّ نسائهم جزافا وبخست نساءنا حقّهن.
__________________
(١٠٣) حروف الحلق هي : حروف الهجاء التي تخرج عند النطق من الحلق وهي : الهمزة والهاء ، والعين والحاء ، والغين والخاء. (م).