أهلها ثم غابت أيّاما حتى وضعت ولدها ، فلمّا رجعت إلى بيتها أقبلت زمرة منهم يعزفون أمام الدار ، فسألهم أبوها ما سبب ذلك فأخبروه بوضع ابنته ففطن حينئذ لغيابها.
غناء المغاربة وأصل الحداء
والذي يظهر لي أن الأنغام التي كان يتغنّى بها في أيّام الخلفاء كانت أشبه بغناء المغاربة الآن منها بغناء المشارقة ، واللازمة التي تستعملها المغاربة في غنائهم هي (دي دي) كقول أهل مصر والشام (يا ليل) وكقول الترك أمان ، وفي القاموس : ما كان للناس حداء ، وضرب أعرابي غلامه وعضّ أصابعه فمشى وهو يقول دي دي أراد يا يدي ، فسارت الإبل على صوته ، فقال له : الزمه ، وخلع عليه فهذا أصل الحداء. وأسماء الأنغام عند المغاربة مخالفة لأسمائها عندنا ، وهم يزعمون أنهم نقلوا هذا الفن عن أهل الأندلس ، وأهل تونس أكثر ترسّلا منهم ، والظاهر أن الموالي من خصوصيات أهل مصر والشام وكذلك الناي والقانون. والغالب في من غنّى صوتا وأجاد أن يظن أن لم يبق ذو أذن واعية إلا وسمعه ، وإذا لم يجد الفتى لنفسه عذرا وذلك بأن يتنحنح أو يسعل فيحيل القصور على شيء طرأ عليه ، هذا إذا كان المغني غير متّخذ الغناء له صنعة ، فأمّا من درب فيه فقلّ أن يعرض له خروج لأن الصوت كالآلة كلّما زاد استعمالا زاد جلاء.
عودة إلى غناء الإفرنج
وكما أن غناء أهل مصر أطرب وأعلى من غناء جميع العرب كذلك كان غناء الطليانيين أعلى من غناء سائر الإفرنج ، وذلك لكثرة ما في لغتهم من الحركات ، فهي مثل لغتنا صالحة للغناء والعروض ، ولكون أصواتهم صادرة عن صدورهم. أمّا لغة الإنكليز فلكثرة السواكن فيها لا تطاوع على الغناء الذي فيه مد وترجيع إلا بتحويل الألفاظ عن وجهها ، وخرم قواعد النطق بها ، وإنّما يحسن بها الأغاني المضحكة ،