آراء في الطرب
وأشجى آلة من آلالات الإفرنجية هي (الكنشرتينة) وهي فرع من فروع الأرغن ونحو من المنفخ يفتح ويطبق ، وهي من مخترعات وينسطون. ومن المعلوم أنّه كلّما رقّت طباع الناس ، ولطفت أخلاقهم كانوا إلى الحاضرة في مضمار الطرب أسبق ، ولشذا عبيره أنشق ، فإن المولع بغر المعاني ونكات الكلام لا يسمع الألحان إلا ويتصور معها من الحسن ما يهيم به وجدا قبل أن يشعر الغبي بمجرّد معرفة كونها غناء ، ولا سيّما إذا كان الإنشاد معربا والوقت معجبا. وقد جاء في شرح لامية العجم للعلامة الصفدي من لم يحركه العود وأوتاره ، والربيع وأزهاره فهو فاسد المزاج بعيد العلاج. وقال أفلاطون : من حزن فليسمع الأصوات الطيّبة فإن النفس إذا حزنت خمد نورها فإذا سمعت ما يطربها ويسرّها اشتعل منها ما خمد. وقال إسحق بن إبراهيم الموصلي شرّ الغناء والشعر الوسط لأن الأعلى منها يطرب والدنيء يضحك ويعجب ، والوسط فلا يطرب ولا يضحك. ومن الغلط البيّن أن يقول أحد : إني لم أطرب لهذه الألحان لجهلي باللغة فإن أصل الطرب إنّما يكون عن الصوت لا عن الكلام المتغنّى به.
غناء أهل مالطة
أمّا أهل مالطة فإنّهم في الغناء مذبذبون كما في غيره أيضا فلا هم كالإفرنج ولا كالعرب ، فأهل القرى منهم ليس لهم إلا أغاني قليلة ، وإذا غنّوا مطّوا أصواتهم مطّا فاحشا تنفر المسامع منه ، فمضاهاتهم للإفرنج هي في اقتصارهم على الرصد ، وللعرب في أنّهم إذا اجتمع منهم طائفة للغناء لم يخرجوا أصواتهم إلا من مقام واحد ، ويقوم أحدهم ينشد ، ويردّ عليه الباقي.
أمّا الأعيان منهم فإنّهم يتعلّمون الألحان الطليانية. وأكثر العميان بمالطة صنعتهم العزف بالآلات فمتى قدم أحد من سفر ، أو ولد له ولد ، أو تزوج ، أو عمّد ولده أو ترقّى إلى رتبة ، أو كسب مكسبا جزيلا بادروا إلى تهنئته ، ولا يخفى عنهم شيء ممّا حدث في بلدهم. ويقال : إن إحدى بنات الأعيان فجرت مرّة وكتمت حبلها عن