وانحدرنا عن ذلك المرفق فأسهلنا ببطن الوادي ، وأرحنا بجلسة موطأة معدّة لاستجمام السلطان رحمهالله ، قد ظلّلتها الأشجار ، تجري تحتها عين خرّارة كأعظم الأنهار فوق حصى كدرّ النحور ، القريبة العهد بلجج البحور ، أو كثنايا (٥٢٠) الحور. تركت في تلك الجلسة أثقاب وخروت (٥٢١) تفضي إليه ، تجعل الجعائل (٥٢٢) على إمساك اليد بها برهة معتبرة ، يفتضح متعاطي ذلك لخصرها (٥٢٣) ، وما يؤثر البرد الشديد في حسّ عصبها. وجلب إلى ذلك المكان من الطعام والفاكهة والشهد ما يحار فيه الوصف.
ثم انتقلنا إلى محل النزول ، ومثوى الكرامة من المضارب ، ودعينا إلى الدور حيث سكنى أولئك الأشراف ، يغمرنا بكل دار منها من الأطعمة ما يحار فيه الفكر ولا تنال منه إلا العين. وتشاهد من أجناس الفرش المرفوعة والمراتب المقدرة ، والستر الديباجيّة المسدولة على الأرائك الممهدة ، والسيوف المعلقة ، تتخللها العدّة من أصونة مدمج (٥٢٤) القرآن وصحيح الحديث ساكنة منها في جفون (٥٢٥) منقوشة محلاة بالإبريز ، مقلّدة بمحامل الحرير النسيج.
وعند الانصراف إلى المضارب ، أقبلت التحف والهدايا من المقرّبات الكاملة تختال في الحلية ، والكسا الرفيعة طيّ الأوعية الرقيمة ، فعجز الشكر وبان التقصير.
ثم غمر الطعام وتخلّف الشيخ عن المجالسة والمؤاكلة معتذرا عنه بألم مانع نغص لدينا النعيم ، وكدر (٦ و) الشّرب (٥٢٦) تطيرا من وداعنا إياه حلس فراش أو رهين شكاية. ثم (إنه حدسنا أنه ألم الحسباء) (٥٢٧) وتذكّرنا قول الأول :
__________________
(٥٢٠) الثنايا : أسنان مقدم الفم.
(٥٢١) الخروت : الثقوب الضيقة.
(٥٢٢) الجعائل جمع جعيلة وهي الأجر أو المكافأة.
(٥٢٣) أي لبرودتها.
(٥٢٤) أي الملفوفة أو المتقنة الكتابة.
(٥٢٥) علب من الجلد.
(٥٢٦) الشرب : الحظ والنصيب منه.
(٥٢٧) هذه العبارة التي بين القوسين غير واضحة في المخطوط ، وربما كانت قراءتها كما في المتن.