أن صوت جاري المؤذن كان حادا ومرتعشا ، وفهمت عند سماعه ، لماذا جاء أحد سكان القاهرة القديمة بمؤذن ذي صوت جميل ، وكان يخصص له راتبا لكي يظل يؤذن من المنارة نفسها.
وكان بالقرب من المسجد منزل يتصل به ، ويسكنه العلماء ، وكان يقام فيه كل ليلة ، في وقت متأخر ، طقوس دينية صاخبة يتخللها أغان وصلوات ومواعظ ، وكان ذلك مترافقا بالموسيقى ؛ وأيّ موسيقى! وكان يرافقها الناي والطبلة. وكانت تقام بالقرب منه ، حفلات أخرى ، من طبيعة أخرى ، مختلفة كل الاختلاف : إنهم أفارقة سودانيون ، عائدون من الحج الأخير إلى مكة المكرمة ، يقضون المساء كله يغنون ويرقصون ، أغاني ورقصا متوحشين ، يذهبان بالفكر بعيدا إلى أعماق القارة الأفريقية.
وفي كل صباح ، وفي الساعة نفسها ، كانت تمرّ أمام نافذتي بدوية جميلة شابة من أسيوط في مصر ، تمثل نمطا أصيلا بين بنات جلدتها ، كانت تمر ، وهي تغني / ١٣٧ / بصوت ندي وناعم ، أغنية مأساوية حزينة ، كانت تكرّر على الدوام الأغنية نفسها ، وكانت رتابة الأغنية تجعلها أكثر حزنا وعويلا. كان قلبي ينفطر لسماعها في أول يوم وفي آخر يوم من إقامتي. أمّا في المساء فقد كان يحين دور أحد الهنود ؛ وهو متسول ينام على حصيرة في زاوية من زوايا الشارع ، ويغني هو أيضا على أرض أجنبية أنغام وطنه. كان يستمر في الغناء إلى ساعة متأخرة من الليل ، حتى إنه كان في غالب الأحيان يمنعني من النوم ، ولكنني كنت أغفر له ذلك لما كان يمنحني إياه من لذة وأنا