غاية اللياقة : إذ كان على الباب لجنة عسكرية لاستقبالنا ، وكان العبيد والخدم ينتشرون على الدرج وفي المدخل ، وكان هناك الشيشة والقهوة والشراب والشاي والحلويات ، وكان كل ذلك يطلب بصوت عال ، وتلك هي غاية اللياقة في الشرق ، حتى يستطيع الجميع أن يسمعوا التشريفات التي تقدّم للزائر ، ولم يكن ينقص الحفلة شيء. لقد خرج الباشا نفسه للقائي لدى باب المجلس ، وقادني إلى غرفة مستقلة تطلّ على البحر ، مليئة بالسجاد والدواوين ، والوسائد ، وبكلمة واحدة مليئة بكل وسائل الراحة المتوفرة في البلد.
أما قنصل فرنسا الذي كان طريح الفراش ، وأقعده المرض الشديد عن مرافقتي ، فقد طلب رسميا من السيد دوكيه M.Dequie المترجم ، وموثق العقود في القنصلية أن يمثله ، وقد تفضل السيد دوكيه بالقيام بدور المترجم ، وقد قام بذلك بذكاء وتفان. كان اسم الحاكم أحمد عزت باشا (١) ، وهو رجل حيوي ، جيد الثقافة ، وهذا نادر لدى الأتراك ، بل إنه شاعر ، يستعرض معارفه بكل طيبة خاطر. بدأ الحديث بالطبع
__________________
(١) ذكر دحلان في كتابه : خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام ، ط. ١ ، المطبعة الخيرية ، القاهرة ، ١٣٠٥ ه ، ص ٣١٦ ، أنه كان أميرا للحج الشامي في عام ١٢٦٨ ه ، وصديقا للشريف عبد المطلب ، وأعانه ضد والي جدة آقه باشا ، وأن الشريف عبد المطلب أرسل للصدر الأعظم رشيد باشا يطلب عزل آقة باشا ، وتوجيه ولاية جدة لأحمد عزت باشا الأرزنجاني فأجيب إلى ذلك في سنة ١٢٦٩ ه ، وهو الذي بنى البيت الذي بالزاهر بالقرب من شهداء فخ في مدة ولايته هذه ، ثم حصلت منافرة بينه وبين الشريف عبد المطلب بعد وصوله إلى جدة بأيام قلائل. وعزل أحمد عزت باشا سنة ١٢٧٠ ه في شهر رجب. وتولى مكانه كامل باشا. ولد عام ١٢١٣ ه في أرزنجان ، وتوفي في ١٤ شوال ١٣١٠ ه. كان كاتبا وشاعرا وأديبا ، اهتم في كتاباته بالموضوعات العسكرية. انظر : محمد تويا ، سجل عثماني ، ج ٣ ، ص ٤٦٥ ، ١٣١١ ه.