شيوخا عربا يأتون إليه من القبائل المجاورة وخصوصا الهواري Haouari ، إن أسعفتني الذاكرة ، وكانوا يرون فيه ابن عبد الله وحفيد سعود أعظم زعماء الجزيرة العربية المعاصرة. لقد أحزنتني قصته وأعجبني شخصه : فهو محبب ومضياف ، يجمع بين النبل والظرف ، ونلمس من أحاديثه وفي تصرفاته أنه رجل يضم بين جوانحه قلبا كبيرا ، وتسيطر عليه مسحة من الحزن الرقيق والنبيل الذي لا يمس أصوله الكريمة ، ولا يضيره فيما آل إليه.
وعلى الرغم من أنه نشأ في الغربة ، وأكل من بصل مصر ، فإنه لم يكن أقل حنكة من أبناء دينه ، وربما كان المستقبل يخبئ له مآلا عظيما في حالة الاضطراب التي تسود الشرق. كان وضعه يفرض عليه الحذر والتحفظ في كل أقواله وأفعاله. وخفت من أن يتعرض للشبهات إن شوهد بصحبتي غالبا ، لأنه ، وبسبب الظروف الحالية ، / ١٦٤ / كانت السلطات العثمانية ترى أن لرحلتي هدفا سياسيا كانت بعيدة كل البعد عنه. مع ذلك كنت أرغب في جعله يتكلم باستفاضة عن الوهابية ، وعن أسرته وعن نفسه ؛ ولم أرد لقاءه في بيتي احتراما له ، ولأنني لم أكن في البيت وحيدا ، ولا في بيته ؛ إذ من الممكن أن يترصد بنا ، فعرضت عليه أن نجتمع في بيت شخص ثالث ، إنه بيت السيد دوكيه ، حيث لن يسمعنا أحد ، ولن يزعجنا أحد ، فوافق على ذلك ، ودام اللقاء طوال اليوم. ولما كانت السمات الحقيقية للوهابيين ، والدور الذي كان لهم في الجزيرة العربية غير معروف جيدا فإنني سأوجز في بضع صفحات المعلومات التي متحتها من مصدر في غاية الأصالة والشرف ، وسأكمل تلك المعلومات