بالسلطة ، ويتصارعون عليها بينهم بالسلاح غالبا ، ويجرون معهم إلى خصوماتهم الشعب والبدو المجاورين. وليس الحياد بمسموح. ينبغي ، طوعا أو كرها ، مناصرة إحدى الأسر المتنافسة ، والتعرض لأشد الأخطار ، في فتن أهلية تتجدد على الدوام. كان يراق فيها الدم غالبا ، وكان المنهزمون يجلون عن البلد حتى يحدث انقلاب طارئ يغير وجه الأمور ، ويعيدهم إلى مسرح السياسة من جديد.
كان وما زال لدى أشراف مكة المكرمة عادة أشرت إليها باختصار فيما سبق ، وهي تستحق أن أذكّر بها. كان كل الأطفال الذكور للشريف الحاكم ينتزعون من أمهاتهم ، ومن لين العيش بين النساء بعد ثمانية أيام من ولادتهم ويعهد بهم إلى بعض قبائل الصحراء المشهورة بعلو قدرها ، لينشأ بينهم ، وحسب عاداتهم ؛ ولا يعود هؤلاء الأطفال إلى أسرهم إلا عندما يبلغون العاشرة أو الثانية عشرة ، وغالبا بعد ذلك / ١٦٧ / ولا يظهرون بين الناس للمرة الأولى إلّا على متن الخيول إلى جانب آبائهم ، وكأنهم رجال ، لا أطفال. وينتج عن تلك التربية الرجولية والبطريركية أن الأشراف كانوا وما زالوا متفوقين أيضا ، قوة وشجاعة وصفاء قلب وعقل على بقية الناس. ويحفظ أولئك الأطفال إبّان حياتهم كلها كثيرا من الود والاحترام لأسرهم التي نشؤوا في كنفها ، وهم ينادونهم بقولهم : أبي وأمي وأخي ، ويخاطبهم هؤلاء بذلك أيضا. وهم يفضلونهم دائما على آبائهم الحقيقيين الذين لا يعرفونهم ، ولم يروهم أبدا ، ولا يعتادون حياة المدينة إلا بصعوبة كبيرة ؛ وكانوا يهربون في بعض الأحيان ليعودوا من جديد إلى المضارب التي نشؤوا بينها ، ويتزوج كثير منهم من بدويات. إن هذه العادة قديمة في شبه الجزيرة العربية ، تعود إلى ما قبل الإسلام ، ويروى أن النبي صلىاللهعليهوسلم تربى بهذه الطريقة في