لقد كانت غالية جان دارك الصحراء ، وكانت هي الشيخ الحقيقي للقبيلة ، وكان الأتراك بالطبع ينظرون إليها على أنها ساحرة ، وأن سحرها يجعل أنصارها لا يهزمون (١). وأذلّت القوات العثمانية بهزيمتين لم تكونا أقل عنفا من الهزيمة الأولى في زهران والقنفذة (٢) ، وهي إحدى مدن الحجاز الخمس. أمّا محمد علي فكان لا يستطيع الخروج من وراء أسوار مكة المكرمة ، وقد كانت الاتصالات مع جدة غالبا مقطوعة. وأصبح جيشه في أسوأ حال : إذ كانت الجمال تنقصهم للنقل ، وقد / ١٩٧ / هلك من ذلك الجيش ثلاثون ألفا في تلك الحرب. كانت الأغذية نادرة في كل المواقع ، وقد وصلت أسعارها حدا غير معقول. أمّا الجنود الذين كانت رواتبهم غير مجزية ، أو أنهم لا يتلقون رواتب أبدا ، فإنهم لم يكونوا يحصلون إلّا بصعوبة كبيرة على حاجاتهم الضرورية الأولية ، وقد كانوا يرفعون أصواتهم بالاعتراض ، ويفرون بأعداد كبيرة ، ولم يعد المجندون يصلون إلى الحجاز أبدا. وكان محمد علي وحده هو الذي لم ييأس ، لقد كان متأكدا أن خسارة الحجاز تعني بالنسبة إليه خسارة مصر ، وقد بذل لكي يحتفظ
__________________
(١) انظر : مواد ... ، موثق سابقا ، ص ١٤١ ـ ١٤٢.
(٢) انظر : مواد ... ، موثق سابقا ، ص ١٤٥ ـ ١٤٦ ، وقال بوركهارت : " وهي ميناء يبعد عن جدة سبعة أيام جنوبا. وكانت في السابق جزءا من أراضي الشريف غالب ، ولكنها أصبحت خلال السنوات الخمس الأخيرة في يد طامي (بن شعيب) ، شيخ عرب عسير أقوى القبائل الجبلية جنوب مكة وأشد المتحمسين من الوهابيين". أما هزيمة الأتراك في زهران التي كان على رأس قبائلها بخروش بن علاس فقد تحدث عنها بوركهارت في مواد ... ، موثق سابقا ، ص ١٦٢ ـ ١٦٣.