إن سيده يبالغ فيما يقوم به من أجلنا ، وإننا لسنا في نهاية الأمر إلّا نصارى ، لا نستحق كل هذه التشريفات ، وإن في معاملة الكفار مثل تلك المعاملة في مهد الإسلام إغضابا لله تعالى الذي جزانا بجعلنا نضل الطريق في قلب الظلام.
لقد نبهه الشريف بلطف ، وأظهر له أن كلامه غير لائق ، وقال له : إننا ضيوف الشريف الأكبر ، وهذه الصفة تفرض عليه احترامنا ، وإنه يسيء كل الإساءة إلى سيده بتصرفه الذي لا يتناسب أبدا مع نواياه. وأضاف أن حسن الضيافة هو الواجب الأول الذي يقوم به العرب إزاء الأجانب ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم أوصى بذلك حتى تجاه الكفار أنفسهم ، وأننا نأتي من بعيد جدا لزيارة بلادهم ، وعندما نعود إلى أوطاننا ، ما ذا سنقول / ٢١٦ / عنهم لمواطنينا إن لم نجد في الجزيرة العربية ما نستحقه من تقدير واحترام؟ ولم يفت السيد دوكيه كلمة واحدة من ذلك الحوار ، وأعاده على مسامعي كلمة كلمة في اللحظة نفسها. ولكن" أبو سلاسي" لم يرعو بعدها ، إلّا أنه بدا أكثر تحفظا في كلامه ، ولم يكن ليجرؤ في المستقبل على القيام بمثل تلك التجاوزات.
ظهر أحمد (رئيس الجمّالة) من جديد أخيرا ، وحمل معه كما يبدو معلومات محددة ، لأن القافلة عادت إلى مسيرتها دون أي تردد ، كان عليها أن تعود القهقرى بعض الوقت ، ثم تنحرف فجأة نحو الجنوب ، وترتقي هضبة وعرة لم أتبين في الظلام ملامحها. وعندما وصلنا إلى القمة لمحنا أضواء على البعد ، وسمعنا نباح الكلاب ، ومررنا بعد لحظات قليلة قرب قطيع من الأغنام ؛ أما رعاته الذين لم أتبين إلا أشباحهم السوداء فقد برزوا أمامنا ، وحيوا الشريف باحترام ، وقادونا إلى ملكّية مسورة ،