الستين من العمر ، طويل القامة ، نحيلا ، تلمس النبل في تصرفاته ، والتميز في كل جوانب شخصيته. كان لون بشرته غامقا جدا ، يكاد يكون أسود ، وعيناه تتوقدان حيوية ، وأنفه مستقيما ، وله لحية خفيفة ، ومحياه لطيفا جدا. كان يتوشح وشاحا كشميريا ، ويلبس ثوبا أزرق فاتحا ، ويزين خصره خنجر رائع مطلي بالذهب ، تلتمع عليه الأحجار الكريمة التي يخطف لمعانها الأبصار.
بدأت حديثي بأن شكرت له كرم الضيافة الذي خصني به ، وبالإشادة بما قام به الشريف حامد من أعمال ودية تجاهنا ؛ فأجابني الشريف على ذلك بلطف بقوله : إنه اختاره لأنه كان يعرف حق المعرفة أننا سنكون مسرورين منه. كان الشريف قد علم منذ زمن بإزاحة عدوه باشا جدة من منصبه ؛ وإلّا فإنه كان على علم بالشائعات التي تسري بهذا الشأن. لم يكن بالإمكان أن أتقرب إليه بطريقة أفضل مما حدث ، وقد خدمتني المصادفة كما أتمنى. وعلى الرغم من أن العرب يحسنون السيطرة على أنفسهم ، ولا يتركون مشاعرهم تبدو على وجوههم ، فإن وجه الشريف تهلل لهذا
__________________
ـ في الطريق إلى منى ، وبقي تحت الإقامة الجبرية إلى أن مات في كانون الثاني (يناير) ١٨٨٦ م / ربيع الثاني ١٣٠٣ ه. وهكذا فقد تميز عهد الشريف عبد المطلب بفتراته الثلاث بالخلاف الدائم بينه وبين الولاة العثمانيين. انظر : دراسات من تاريخ عسير الحديث ، د. محمد بن عبد الله آل زلفة ، ط ١ ، الرياض ، ١٤١٢ ه ، ص ٤٥ ـ ٦٢ ؛ وكتاب : عسير من ١٢٤٩ ه ـ ١٨٣٣ م إلى ١٢٨٩ ه ـ ١٨٧٢ م ، دراسة تاريخية ، علي أحمد عيسى عسيري ، مطبوعات نادي أيها الأدبي ١٤٠٧ ه / ١٩٨٧ م ، ص ٢٧٢. وانظر : صفحات من تاريخ مكة المكرمة ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ٢٧٦ ـ ٢٧٨ ، ٢٨٤ ـ ٢٨٧ ، ٢٩٤ ـ ٢٩٧.