الخبر بعلائم الفرح ، وسواء كان يريد أن يبدو ذلك عليه أم لا فإن علائم السرور بدت على قسمات وجهه كلها.
ثم بدأ الحديث بعد ذلك عن الشؤون اليومية ، وعن مطامع روسيا ، وعن التحالف بين فرنسا وبريطانيا / ٢٤٨ / ، وعن موقف أوروبا عموما والنمسا على وجه الخصوص. كان يصغي بانتباه شديد إلى كل المعلومات التي كنت أخبره بها ، وكان يطرح عليّ أسئلة تظهر حسن اطلاعه على الأمور ، وفهمه العميق للوضع. لقد بدا لي منفتحا بقدر ما هو مستقل ، وإن كان لدي ما آخذه عليه فذلك أنه كان مدنيا أكثر مما ينبغي ، ومتأوربا أكثر من اللزوم. ولعل سبب ذلك أنه قضى أربعة وعشرين عاما من حياته في إستانبول قبل أن يسمح له الباب العالي بالعودة إلى الجزيرة العربية ، وأن يعيد إليه لقب أبيه غالب ، وعلى الأقل ، قسما من ثروة أبيه وسلطته.
لم أنس أبدا ، وأنا أحدثه ، وأستمع إليه ، أنني أتعامل مع عربي ، وليس مع تركي ؛ وأنه لا يستطيع باعتباره عربيا ، أن يرجو صادقا انتصار الجيش العثماني ، بل إنه على العكس تماما كان يأمل اندحار غزاة وطنه ، وأنه باختصار كان في دخيلته أميل إلى الروس منه إلى البريطانيين أو الفرنسيين. وحاولت أن ألمح تلميحات بعيدة وغير مباشرة إلى موقفه الخاص ، وموقف بلده : ولكنه لم يكن يود التنبه إليها ، وظل متمسكا في هذا الخصوص بتحفظ لم يتخل عنه ولو لحظة واحدة. وقد أثبتت الوقائع التالية أنني ، وعلى الرغم من حذره ، وصمته ، استطعت التعرف على ميوله الحقيقية.