كان فرح السائس بلا حدود ، ومتناسبا مع الخوف الذي اعتراه : لقد ظنني ميتا ، أو على الأقل مهشما ؛ لأنه ، بحكم مهامّه ، مسؤول عن أمني ، ولو أصابني مكروه لكان أول الملومين ؛ ولّما كان سيده مهتما بنا فإنه كان سيدفع غاليا ثمن أي حادث يصيبني ، ولو كان بسيطا. كنّا حتى الآن نسير على الرمال ، وسط سهل مجدب ، دون أن نجد ماء ولا خضرة. لقد وجدناهما أخيرا عندما ولجنا وادي المثناة الذي ترتفع على جانبيه تلال ، قممها جرداء ، وأسافلها مغطاة بالبساتين المسورة التي تنساب منها جداول الماء بعد أن تسقيها وتخصبها / ٢٥٦ / ، وتتجاوز الأشجار التي تظللها حدود الأسوار.
لقد كان هناك مسجد (١) جميل يمنح مدخل هذا الوادي الزاهي تميزا وجلالا. ثم ينفتح الوادي على ريف تكسوه أشجار النبق والأكاسيا (٢) ، وتحيط به عن قرب جبال جرداء ، أمّا الأرض فإنها غير مستوية ، تتخللها وهاد عميقة ، وتنتشر فيها المنحدرات الوعرة. وتقبع في هذه الأرض الجبلية الحجرية قرية بدوية هي الوهط (٣) ؛
__________________
(١) قال الدكتور آل كمال في تعقبه الدكتور آل زلفة : ... لعل هذا المسجد هو مسجد عدّاس الذي لا زال في موقعه ببساتين الأشراف آل غالب ، وقد وجدت له ذكرا منذ القرن التاسع.
(٢) في الأصل De Nebeks ,D acacias وورد في رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٦٥ ... شجر السنط والسدر (النبق) وأورد المترجمان في الحاشية (٢) Acacias ,Nebek ، والأكاسيا هي الاسم العلمي لشجر السنط أو السلم وهو أنواع كثيرة منها شجر الصمغ. انظر : معجم مصطلحات العلوم الزراعية للشهابي ، مادة : Accacia.
(٣) قال الدكتور آل كمال في تعقبه الدكتور آل زلفة : ... الوهط ليست في المثناة بل في قبلتها بجوار سد عكرمة الحالي. وكانت بستانا أو مالا لعمرو بن العاص القرشي رضياللهعنه ، ولا زالت لأبناء قريش وبعض الأشراف ، وبها عين الوهط الشهيرة.