ولكنني لم أر فيها ساكنا واحدا. قطعنا نزهتنا هنا ، وعدنا على أعقابنا حتى حديقة الباطنة الذي يملكه الشريف الأكبر حيث كان ينتظرنا هناك غداء ريفي.
ليس لهذا المكان ما يميزه إلّا ماؤه الصافي الذي يجري في قناة من الحجارة ، وأشجاره المثمرة المعطاء ، وخصوصا أشجار التين التي تكتسب هنا أهمية كبيرة ، وتنتج ثمارا فاخرة. وليس أشجار السفرجل والرمان بأقل جودة من أشجار التين ، ولكن الزهور نادرة ، باستثناء الورد الجوري (١) المشهور في الحجاز كله. وقد كان في البستان سرادق يتكوّن من عدد من الغرف يقصده المالك في أوقات فراغه بحثا عن الهدوء والبرودة.
ويوجد أمام هذا البستان بستان آخر يشبهه تماما واسمه : الشريعة. وهو للشريف الأكبر أيضا ، وقد كان قبل عدة شهور مسرحا لشجار دام ، وإليكم السبب. لّما جاء باشا جدة لزيارة الطائف رافقته حاشية / ٢٥٧ / تتكوّن من مفرزة من الباشي بوزوق الذين يتصرفون بصلفهم المعتاد ، وقد وصلت عصبة من أولئك اللصوص ، الذين كان أغلبهم من الأرناؤط ، إلى بستان الشريف ، وكانوا يستولون على كل ما يقع تحت أيديهم ، وخصوصا الفاكهة التي يحبها الأتراك بشراهة (٢) ، وأرادوا
__________________
(١) انظر تحقيقا مصورا عن ورد الطائف لميشيل ر. هيوورد ، ترجمه بتصرف محمد عبد القادر الفقي في مجلة القافلة ، مج ٤٩ ، ع ٣ ، ص ١٠ ، ربيع الأول ١٤٢١ ه / يوليو (تموز) ٢٠٠٠ م ؛ والحياة ، العدد ١٣٦٣٢ ، السبت ٨ تموز (يوليو) / ٦ ربيع الثاني ١٤٢١ / ٢٠٠٠ م ، ص ١٥.
(٢) انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٣٨.