والحلويات تتابع دون انقطاع ، وخصوني بأجمل شيشة في المنزل. وبينما كنت هنا أدخن وأطرح الأسئلة ، دخلت علينا شخص يعلوه البياض من الرأس إلى القدمين : لحية بيضاء ، وثوب أبيض ، ووشاح أبيض ، كل شيء باختصار أبيض ، عدا الوجه واليدين التي تكاد تكون سوداء. كان رجلا وقورا ، وحكيما ، عالما بالشريعة الإسلامية ، ومعروفا بورعه وتقاه. لقد كان حديثه موشى بسلسلة لا تنقطع من آيات القرآن الكريم ، والحكم الشائعة في الشرق. وإليكم إحدى الحكم التي أتحفني بها ، والتي يمكن أن تعطي فكرة عن الحكم الأخرى : " الصبر مرّ كاسمه ، ولكن ما يتلوه حلو كالعسل". إن فهم هذه الحكمة يقتضي / ٢٦١ / فهم التورية (١) التي تقوم عليها : لأن الكلمة العربية : الصبر ، تطلق على مسحوق شديد المرارة ، شائع في بلادهم ، ويمكن أن يكون مأخوذا من النبتة التي تسميها العامة : عنب الذئب Douce-Amere. ذهبنا عشية مغادرتنا الطائف لزيارة الشريف ليأذن لنا بالانصراف ، وسارت الأمور كما كانت عليه في الزيارة الأولى تماما ، باختلاف بسيط ، هو أن جيش البدو الذي كان متجمهرا حول القصر كان أقل عددا ، واستقبلنا بأبهة أقل ، ولكن باللياقة نفسها ، والاحترام نفسه. كان الشريف الأكبر في تلك الأمسية يرتدي عباءة خضراء كشميرية رائعة ، مزينة بسعفات حمراء. ولمّا كنّا قد تعارفنا فإن الحديث كان أكثر دفئا ، تحدثنا عن الكوليرا التي تجتاح مكة المكرمة ، وتتجنب الطائف ، وعن مصر ومحمد علي الذي كان الشريف يتحدث عنه باعتدال شديد ، مع أن هذا الباشا الذي
__________________
(١) في المثل طباق بين مرارة الصبر وحلاوة العسل.