ينتهي الريع بواد واسع يسمى السيل ؛ وهو قاحل ، ورملي ، وقد أحرقته الشمس. وكانت تنتظرني فيه مفاجأة : إذ ما كدنا ندخله ، ونسير فيه بعض الأميال تحت شمس حارقة ، وجو خانق ، حتى وجدت نفسي دون سابق إنذار ، وكأنما بفعل السحر على حافة / ٢٧١ / نبع غزير ، وصاف ، ينبجس من الرمل ويتدفق بغزارة ، وتنتشر حوله نضارة عذبة. ويوجد بالقرب منه نطاق واسع من الصخور المنحوتة بزوايا مستقيمة ، ولا تكاد تظهر على وجه الأرض ، ومرتبة بتناسق وكأنها مدرجات.
وإننا لنخال أن يد الإنسان امتدت إليها بالتنظيم ، وسيكون من السهل ، بقليل من الخيال المبدع أو حسن النية ، أن نرى في هذا المدرج الطبيعي عمل شعب بائد من العمالقة الذين كانوا قبل الطوفان. ولم نكن لنعفي أنفسنا من التوقف في هذا المكان المعدّ أحسن إعداد : لقد توقفنا فيه وقتا أطول مما ينبغي ، وأخرجنا للمرة الأولى المؤنة التي حمّلونا إياها في الطائف. ولما أذّن العصر هب الأشراف إلى الوضوء والصلاة وسط القوم ، وكانوا على سجاجيد الصلاة يركعون ويسجدون بخشوع كما لو كانوا وحدهم. ولا يخجل المسلمون من ذلك في هذا الخصوص ؛ فهم يبادرون إلى ممارسة أركان دينهم في أي مكان كانوا ، ومع كائن من كان. وانضم إلى الشريفين اللذين رافقانا من الطائف ثالث ، ولم أعد أدري في أي مكان حصل ذلك ، كان ما يزال حدثا ، لم يكد يتجاوز سن الطفولة ، وليس له من العمر أكثر من أربعة عشر عاما ؛ كان اسمه أحمد ، وكان يمتطي جوادا أشهب جميلا. ولم تقم بيني وبينه أي علاقة ، ولست أدري هل هو الخجل؟ أم كوني نصرانيا ، هو الذي أبقاه بعيدا عني. أما العجوز عبد المطلب فقد كان أقل عزلة ؛ ووعدنا / ٢٧٢ / بالتوقف في منزله عندما نمر به ، واتفقنا على أن