ووجدت هنا دليلين آخرين على ذلك : أولهما يكمن في الطريقة التي تعامل بها العرب مع الأشراف ومعنا ؛ إنها طريقة عفوية وأبية ، ولكنها على الدوام مؤدبة ، وثاني الأدلة يكمن في السمة السلوكية التي أذكرها لكم : كان الشريف حامد يأكل معنا عادة ، ولكنه كان يمتنع عن ذلك في بعض الأحيان ، وفي هذا الصباح على سبيل المثال ، تناول فطوره قبل الانطلاق مع أحمد حمودي ، رئيس الجمّالة ، وآخرين ممن ليسوا من طبقته. لم يكن يتصرف كذلك متصنعا ، ولا سعيا إلى أن يكون له شعبية لديهم ، لقد كان يقوم بذلك ببساطة فطرية ، ولأن ذلك كان يبدو له أمرا عاديا ، متأصلا في سلوك البلد.
لقد تأخر انطلاقنا بسبب حادث مؤسف : إذ أصيب الشريف العجوز عبد المطلب بنوبة حمى شديدة جعلته غير قادر على الانطلاق ، ولا على مغادرة سجادته. كان التغير الذي اعترى قسماته يدل على اضطراب عميق في أعضاء الجسد ووظائفه. وكان هو نفسه يظن أنه يعيش ساعته الأخيرة ؛ ولكنه لّما كان مستسلما لمصيره ، فلم يكن يصدر عنه أية شكوى أو أنين ، ولم يكن يرجو من الله إلّا أن يمنحه القوة كي يستطيع الوصول إلى أهله ليموت بينهم. كان يقول بصوت خافت : " خمسة وسبعون / ٢٧٧ / عاما ، وأنا على ظهر البسيطة ؛ لقد حان الوقت كي ألحق بأسلافي. وأود أن أموت في بيتي بين أهلي وعشيرتي ، وإن كان القضاء غير ذلك فلتتحقق إرادة الله! وإنني راض بما قدره من قبل. أينما يمت المسلم فإنه يذهب إلى الجنة ؛ إذا كان قد التزم خلال حياته بما شرّعه الله في القرآن الكريم ، وأنا التزمت