كان يقوم على خدمتي ولد صاحب هذا البستان أو حفيده ، وعمره بين ١٤ و ١٥ عاما ، كان يفعل ذلك دون أن يزعجني ، فيحمل إلي النارنج ؛ وهو نوع البرتقال الوحيد الذي ينتج في هذه البلاد ، ويقوم بتبريد الماء في زجاجة معلقة بالأغصان ، كان باختصار ، يقدم لي ألطف ما يمكن أن يقدم من واجبات العناية بالضيف ، ويفعل ذلك بابتهاج هو من خصوصيات سن الشباب.
كنت متوترا بفعل القحط ، وحر النهار القاسي في اليوم السابق ، استرخت أعصاب جسدي كلها بالتدرج بتأثير ذلك الجو الرطب المنعش. كانت كل طاقات الحياة تستعيد فيّ لدونتها. كنت أتنفس بارتياح شديد ، وكان الدم يجري في عروقي بحرية أكبر ، وقرّت عيناي عندما وقعتا على الكساء الأخضر الفضفاض الذي كان يرفرف من حولي ، بعد أن كانتا متعبتين من التماع الرمل والصخور ، لقد شعرت بالجملة برغد العيش المادي والمعنوي الذي لم أكن عرفته ، أو أنني كنت أظن ذلك. لقد انتهى بي الأمر بفضل الراحة المطلقة ، والاستراحة الطويلة ، واستمرارية الإحساس الفريد واطراده ، الإحساس نفسه على الدوام ، بفضل ذلك كله ، انتهى بي الأمر إلى الغوص في حلم يقظة عميق ، منسلخا عن العالم الخارجي ، وناسيا له تماما ، وانتهى بي أيضا إلى فقدان الإحساس بالزمان والمكان ، وكنت لأيا / ٢٨١ / واعيا بذاتي. من أين أتيت ، وأين أنا ، وأين أمضي؟ ولم أكن أعي ذلك كله إلّا بصورة ضبابية مختلطة.
كانت تتراءى أمامي وتعود إلى الترائي أحداث الرحلة التي قمت بها ومراحلها ، والأماكن ، والصروح ، والأشخاص ، كما لو أنها أضغاث أحلام. ولم أكن ألمح العودة