إلّا من خلال ضباب كثيف في مكان بعيد سديمي. وإن حدث لي في الفلتات أن أفكر بأوروبا وباريس ، وبأصدقائي وأعدائي الذين تركتهم هناك ، وبالصراع المرير الذي كان علي في الماضي أن أخوضه هناك ، وبسوء الحظ المرير الذي كان يلازمني هناك ، وبالخيانات الغادرة ، وبالمصائب المتنوعة التي حلت بي ، كل هذه الأشياء ، كانت تعبر ذاكرتي كما لو أنها ذكريات مبهمة لحياة سابقة لم تنته أبدا : كان الندم والآلام ، حتى أكثر المشاعر شرعية ، كل ذلك ، قد خبا في غمرة انغماسي فيما يفوق الوصف من سكينة وسلام.
استمرت هذه السعادة البالغة ، هذا الكيف ، بالعبارة المحلية المناسبة لوصف حالة الجسد والروح التي كنت فيها حينئذ ، سبع ساعات كاملة ، وقد مرت هذه الساعات السبع كما لو أنها ثانية واحدة. لقد أعادني إلى الواقع نفير الانطلاق ، لأنه كان ينبغي في نهاية الأمر أن ننطلق ، وبينما كنت منغمسا في الملذات الهانئة لذلك المنتجع الريفي (١) ، كان يجري على بعد خطوات أمام البيت الذي نزلنا فيه مشهد / ٢٨٢ / مختلف تماما ؛ لقد كان عمل الشريف حامد يقتضي منه أن يكون في مكة المكرمة ، إلّا أنه كان يقيم ، كما سبق لي القول ، في وادي فاطمة ، وله فيه بيته وحريمه ، وكان يقضي هناك كل الوقت الذي تتركه له أعماله. لقد كان بالتالي معروفا هناك ، ومحترما ، والناس كلهم يحبونه ، ولّما ذاع نبأ وصوله إلى سولة جاء بدو الجوار زرافات ، بعضهم للسلام عليه فقط ، والآخرون لمذاكرته في شؤونهم. وجدته هناك في وسط حلقة من
__________________
(١) في الأصل Gapoue ـ اسم منتجع ريفي في إيطاليا.