وقع غالب والد الشريف عبد المطلب ضحية خيانتهم المشهورة ، ومات في المنفى بعد أن نفوه إلى أراض تابعة للدولة العثمانية ، وقضى ابنه عبد المطلب نفسه أربعا وعشرين سنة من عمره في ذلك المنفى ، ولمّا عاد في النهاية إلى وطنه ومنصبه الوراثي لم يكن له إلّا ظل سلطة محدودة.
إن كل ما يضعف الباب العالي لا بد له أن يلقى قبولا في نفوس العرب عموما ، وفي نفس الشريف الأكبر خصوصا ، وأن يمنحهم أملا مشروعا في التخلص من الأتراك. وعلى العكس ، إن كل ما يجعل الأتراك منيعي الجانب يحزنهم بالضرورة ، ويزيد من أمد خضوعهم لهم.
ولست أرى سببا وجيها للكيل بمكيالين ؛ بأن ننكر على العرب تطلعهم للاستقلال ، ونجد ذلك عدلا عند الإيطاليين والبولونيين ، وعند كل الشعوب الأوروبية التي تعاني من السيطرة الأجنبية. إن الأصيل يظل على الدوام أصيلا ، وينبغي ألا يجعله كونه بالطبع أقل ذكاء وقيما ممقوتا من أولئك الذين يستبد بهم ؛ وإن وصوله بنفسه إلى مرحلة التهالك يجعله يحافظ على ما اغتصبه بالمكر والفساد ومساعدة الآخرين.
تلك هي بالتحديد وبالاختصار حال الأتراك مع العرب ، كما هي حالهم أيضا مع اليونانيين والسوريين ، ومع كل الشعوب التي خضعت لهم في الماضي. لم يعد / ٢٩٧ / باستطاعتهم الدفاع عن أنفسهم ، ويقمعون الآخرين ، وإن ذلك ، مهما يمكن أن يقال : وضع خاطئ ، ومخالف للواقع ، وينبغي أن يوضع حد له ، ولا يمكن أن يستمر زمنا