إن الأتراك أنفسهم ، وأعني هنا عددا قليلا منهم ؛ ممن لديهم بعد نظر ، لا يخدعون أنفسهم ، ويغمضون عيونهم عن الوضع المتهافت للإمبراطورية العثمانية ، إنهم يعرفون حق المعرفة ، المصير الذي ينتظرها في المستقبل ، ويعرفون أن تنافس القوى الأوروبية هو الذي يجعلها تحافظ على توازنها المصطنع الذي يمكن أن ينهار انهيارا لا قيام بعده ، عند أول مواجهة / ٢٩٨ / حقيقة بين تلك القوى.
لا تتخيلوا أن الأتراك يكنون لفرنسا وبريطانيا أي اعتراف بالجميل : إنهم مقتنعون أن البلدين يقفان في وجه القوة الروسية سعيا لمصالحهما الخاصة ، وليس لمصلحة تركية. إن الحماية التي تجعلهم تبعا تحطم كبرياءهم ، وإن كان ضعفهم يجبرهم على إخفاء حقدهم ، فإن هذا الحقد عميق ، وعاجز ، ومنكمش على ذاته. أما عامة الشعب التي لا تعرف شيئا ، ولا تفهم شيئا مما يحدث فإنهم يخدعونهم بحكايات سخيفة : فيجعلونهم على سبيل المثال يعتقدون أن السلطان أجبر فرنسا وبريطانيا على مساعدته ضد الروس دفاعا عن العلم التركي ، وقد سمعت بنفسي هذه الحماقة تتكرر مئة مرة في كل أنحاء تركية التي زرتها.
لنفترض أن الأتراك استطاعوا في القرن السادس عشر ، أو بعد ذلك في القرن السابع عشر ، وقبل انتصار سوبيسكي (١) Sobieski ، أن يفتحوا أوروبا ، ولو أنهم
__________________
(١) Sobieski , (Jean III) ـ سوبيسكي ملك بولونيا (بولندا) ولد عام ١٦٢٩ م ، وتوفي قرب فرصوفيا عام ١٦٩٦ م ، وأعظم أعماله الحربية أنه أفلح في إيقاف جيش من ٣٠٠ ألف تركي وتتري عند أسوار فينا ومعه جيش قليل وذلك في عام ١٦٨٣ م ، وكان قد تمكن في عام ١٦٦٧ م من رد هجوم جيش من الأتراك والتتار والقوقازيين عدده ١٠٠ ألف جندي.