أمّا عربات النقل فهي علب بشعة ، مطلية باللون الأبيض ، لتعكس أشعة الشمس ويتقاضى أصحابها ٩ جنيهات وسطيا من كل راكب ، وتحمل كل عربة ستة ركاب في مكان لا يكاد يتسع لأربعة ، يقود العربة أحصنة يرخى لها العنان فتقطع مسافة ١٠٠ ميل في تسع ساعات ، ولا يحتاج البريد المحمول على الحصان لقطع تلك المسافة ست ساعات ، ويمكن أن تتقلص إلى خمس. وسيكون الفارق الزمني بينها وبين القطار ضئيلا كما هو واضح. تلك هي أحوال الذين هم في عجلة من أمرهم.
لم أكن في عجلة من أمري ، ولم يكن هدفي من الرحلة قطع أطول مسافة في أقصر زمن ممكن ، لذلك لم ألجأ إلى أيّ من وسيلتي النقل اللتين ذكرتهما ، بل عمدت إلى وسيلة أكثر بطئا ، ولكنها أكثر إثارة وتثقيفا ، لقد رافقت السكان الأصليين ، نصبت خيمتي على الطريق ، وقضيت فيها ثلاث ليال / ٣ / ، واستغرقت الرحلة مني زمنا يزيد على وقت العربات بثماني مرات. غادرت القاهرة ثالث اثنين على ظهر واحد من تلك الحمير الجميلة التي تكثر في مصر ، والتي ليس لها ما تشترك به مع الحمير الأوروبية إلا الاسم ؛ هذا الحيوان المعذّب الذي يحتقره الفلاحون بغير حق ، ويعاملونه معاملة قاسية. إن المسلمين أكثر رفقا بالحيوان من النصارى. إن لون الحمار المصري أسمر داكن ، وهو رشيق ، حسن الهيئة ، ممراح ، قدماه دقيقتان ، وأذناه مستقيمتان مدببتان ، ذلك مظهره ، أما مخبره فهو حيوان لا يقف شيء في وجه شجاعته ، ولا ينال التعب من همته ، أمّا قناعتة بالمأكل والمشرب فهي مضرب المثل ؛ فهو يكتفي بقبضة من الفول في اليوم ، ويمكن أن يسير ثلاثة أيام دون أن يشرب في جو ترتفع فيه درجة الحرارة ما