ذلك بقليل ؛ مما يعني أن هناك متوسطا سنويا يبلغ ستة إلى سبعة آلاف راكب. ينزل هذا الجمع الموسمي من مسافري العبور في مصر ، وكأنهم يريدون ابتلاعها ، شأنهم شأن جراد موسى (١) ؛ فأولئك الذين يصلون من بريطانيا يكادون يكونون جميعا من الشباب المشاغبين ، ومن الفتيات البيض المتوردات اللواتي يأتين إلى المستعمرات الهندية للبحث عن أولئك الذين لهم مكانة إدارية أو تجارية ليتخذن منهم أزواجا / ٢٧ /. أمّا في العودة فالمشهد يتغير ، فالشباب أصبحوا رجالا سمرا ، وقد شاخوا قبل سن الشيخوخة ، والفتيات أصبحن أمهات أو جدات.
لقد أقيم في السويس على شاطئ البحر ، فندق بريطاني واسع مخصص لإسكان القادمين وإطعامهم وسقايتهم ، وليس ذلك بيسير ، بسبب نهم القادمين الجدد ، وفقر السوق بالبضائع. حينئذ تصبح المدينة ضحية غزو أوروبي حقيقي. أما بقية العام فهي كئيبة ساكنة. أمّا في هذه الأيام ، ففيها حركة مفتعلة ، تكاد تكون محمومة ، وليس لها من نتائج إلّا أنها تجعل السكون عندما يعود أكثر عمقا ، ثم تعود إلى حالة الخمود في اليوم التالي. ولما رفضنا النزول في محطة الطريق ، ولم نرض بالنزول في الفندق البريطاني المريح فقد عسكرنا في المدينة ، وكأننا في الصحراء ، لقد نصبنا خيامنا على الشاطئ ، وسط عدد من المدافع المنصوبة في هذا المكان للدفاع عن
__________________
(١) الجراد الذي أرسله الله على آل فرعون ، كما في قوله تعالى (الأعراف ، ١٣٣) : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ).