نتذكر أن أحد قادة السفن المصرية قام في ذلك اليوم المشؤوم بتفجير نفسه وسفينته بدل أن يستسلم للعدو ؛ وقد أبدى كل الناس إعجابهم بهذه المأثرة الجريئة ، باستثناء عباس : لأنه عاجز عن إدراك معنى الشجاعة ، والإخلاص ، لم ير في ذلك إلّا أنه خسر سفينة حربية ، وصرخ بغضب : عاهرPesvink ؛ وهي شتيمة مقذعة بالتركية ، كان لا يني يرددها ، شأنه شأن الغالبية العظمى من الأتراك ، وهي بالإيطاليةRuffiano ، لقد كانت تلك الشتيمة هي كل التأبين الذي استحقه منه ذلك البحار الشجاع ، ولو استطاع العودة من لجة المحيط لدفنه عباس دون شك في التراب لكي يعاقبه على بطولته.
تبلغ المسافة من الطور إلى دير جبل سيناء خمسة وعشرين فرسخا ؛ وهذا يعني أن الجمل يحتاج إلى خمس وعشرين ساعة لقطعها. وإن الطريق التي كنت إن صح القول : أدشنها ، باعتباري أحد أول / ٤٩ / المسافرين عليه ، إن لم أكن أولهم ، يتجه من الشمال منحدرا نحو الشرق ؛ منطلقا من البحر ، ثم يبتعد عنه ليقترب من جبل سربال (١) ، ولو كان بالإمكان ، بدل أن يدور حول ذلك السور الطويل من الجرانيت ، أن يخترقه ، لأصبح أكثر قصرا. ولكن الأمر غير ممكن. ولا يتميز الطريق عن الأرض التي
__________________
(١) أشهر جبال سيناء بعد جبل موسى ، يقع إلى الشمال من مدينة الطور والغرب من جبل موسى على نحو ثلاثين ميلا من كل منهما. انظر : تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٣٣. وفيه ص (٤٥٤) أنه منحدر انحدارا عظيما ، ورأسه يبعد عن سفحه بعدا سحيقا ، ليس في سفحه سهل كبير أو صغير ، وليس هناك إلّا وادي فيران ، وقعره وادي عليات الآتي من جبل سربال ، وكلا الواديين ضيق.