هذا في الهواء كالمتحدي ، ثم شرع يتبختر في انتظار غريمه. وبعد أن أفرج عن الطير الثاني بدأ العراك ، وكان المنظر مؤنسا ، لم يكن فيه أي قسوة مطلقا. وكان من المبهج جدّا رؤية هذه الطيور الصغيرة تتبختر على رؤوس أصابعها متحدية ، تقفز وتنقر بعضها البعض ، وتتحايل لتنال ممسكا ملائما ، وتتحاذر الوقوع بما لا تريد. وقد لاحظت أن البراعة كلها كانت في نوال الغريم من قفا رقبته ، فإذا ما نال الطير غريمه على ذلك النحو تمسك به كالكلب الأفطس «بوول دوك» ، وقد يدور به أحيانا مرتين أو ثلاث مرات حول الدائرة ، وقد يرتاع أحد الغريمين أحيانا فيهرب خارج ساحة العراك ، وعندئذ ترجح الكفة وينتهي النضال بينهما حقّا ، أما الطير المغلوب فلا يعود ميالا إلى عراك آخر قبل مضي شهرين أو ثلاثة أشهر. ولكل طير من الطيور اسمه ، أما أجنحتها فلا تقص. وهذه الطيور مروضة إلى حد لا تمانع في مسكها ، وإذا ما انتهى العراك تراها ترجع إلى أقفاصها من تلقاء نفسها ، وهي لا تتناقر مطلقا ولا تهجم إلا للسعي وراء مسك الغريم. وكان الكرد يشاهدن العراك بشوق عظيم. وبعد أن انتهت هذه البدعة بدا لي أنها لم تكن إلا مسلاة أو ملهاة صبيانية. إن الكرد قوم رياضيون متحمسون لسباق الخيل ، وعراك الحجل والكباش والكلاب. وقد سمح (محمد) كعربي صميم بالمراهنة على سباق الخيل ، ولكن الكرد استغلوا هذا السماح استغلالا بعيدا عن حدوده فأجازوا الرهان في عراك حجلهم وكلابهم.
وبعد انتهاء العرض ، جاءني ضابطان أخبراني بأن داروغا أمرهما أن يترأسا دورية من خمسة عشر جنديّا لتدور خارج نطاق الدار طيلة اللّيل. ولتمكين الدورية من اجتياز جماعات حرسي تعلم أفرادها عبارتي «من المتقدم؟» «وصديق» الإنكليزيتين ، إنه لأمر غريب أن نسمع الكرد في السليمانية يحاولون تلفظ تلك الكلمات باللّغة الإنكليزية ، وقد تعلموها من الجنود الهنود المسلمين ومن رعايا بريطانيا العظمى الذين أخبروني