وبعد الظهر جاءني محمود مصرف ليسليني بمشاهدة عراك الحجل ، وهذه مسلاة مفضلة لدى الكرد. وعندما علم مصرف وهو رياضي مشهور بأنني لم أشاهد قبلا معركة حجل سر كثيرا للفرصة التي أتيحت له ليريني مجموعة حجل العراك التي يقتنيها ، وهي مجموعة فاخرة جدّا. جاء مصرف يتقدم القوم ومعه أربعة من أولاده وكلهم فتيان رشيقون طويلو القامة ، وكان لمنظر صاحبنا هيبة بين أولاده. ولقد انشرح صدره كثيرا عندما أبديت له رأيي هذا في أولاده فقال : «أجل لدي يا سيدي ثلاثة أو أربعة أبناء آخرين في الدار وسيكون لهم شرف لثم يدك في يوم من الأيام» وقد أخذني العجب عند ملاحظتي حرية هؤلاء الشبان غير الشرقية في حضرة والدهم ، فلم يكن ثمة تكلف في تصرفهم ، وأخذ كل منهم يدخن غليونه. إن ما خبرته إلى الآن من عادات الأتراك والعرب ما كان ليجعلني أتوقع منهم حتى الجلوس في حضور أبيهم. وبعد أن أديرت كؤوس القهوة ، ودخنت الغلايين أعلن تقدم «الجيش» ـ كما اصطلح صاحبنا على تسميته ـ بكتكتة الحجل التي كانت تسمع من مسافة بعيدة ، وتقدمت بعد برهة جماعة من الكرد الأقوياء تحمل على أكتافها اثنين وثلاثين قفصا في كل قفص حجل فحل ، وقد أثارت كتكتة هذه الطيور الإجماعية المتواصلة ضجة غريبة أشبه بأصوات دقات ألف ساعة جسيمة ، ولم يخلدوا إلى الصمت لحظة إلا عند العراك ، وأعقب الأقفاص جماعة من المتهوسين وكلهم شوق لمشاهدة المنظر. ولو لم أوعز بغلق الأبواب لأوفر الأذى على من لا يقف عند حده إلا بضربه بالهراوات والعصي ، ولا ندفع إلى داخل الدار كثير غيرهم ، ثم صفت الأقفاص على شكل دائرة ، ووقف المشاهدون من ورائها وأنا ومصرف وأولاده نتمم المحيط عند الخيمة. وكان المنظر جديرا بالرسم إلا أن ذلك كان مستحيلا علي ، إن لم أره عدة مرات لتتكون عندي فكرة لوضع خطوط الرسم الأساسية.
فتح أحد المعاونين باب أحد الأقفاص وأطلق أحد الطيور فانتفض