قال لي محمود آغا «إن الأتراك يسموننا كلنا كردا ، وهم لا يدركون الفروق بيننا ، فإننا أناس نختلف الاختلاف الكلي عن القرويين ، وعند هؤلاء البلادة التي يسر الأتراك أن يلصقوها بنا» (١). والمقصود من المعاملة التي يعامل بها القروي هو تبليده ، ولكن الاستبداد مما يحط من منزلة السيد والعبد ويبلدهما على حد سواء ؛ وعلى هذا الأساس ما كان يستغرب أن يغدو كل من الكردي العشائري والكردي القروي بليدا لا إحساس له.
وفي خلال محادثة تتعلق بالعوائل الكردية البارزة قال أحد الحاضرين «أليس من العار أن يرضى أمراؤنا بالذهاب إلى بغداد حيث يكرهون على الإذعان إلى تركي ابتيع قبل مدة كما تبتاع الأنعام ببضع مئات من القروش ، وهو أن انفعل خاطب أيامنا بقوله ـ «أيها الكردي الحمار» ثم انبرى آخر من الحضور قائلا «إن في تحاسد أمرائنا دمارهم ، فليس للأتراك ولا للإيرانيين حول في إيذائنا إلا باستغلالهم انشقاقنا والمنافسة العائلية القائمة بين رؤسائنا. إننا نعلم هذا ، وبالرغم من ذلك ينجح الأتراك على الدوام بطريقة أو بأخرى في التغلب علينا ، ولا ريب في أننا كرد ذوو عقول متبلدة». وعند ذكر الحالة القذرة للدار المتهدمة التي أسكنها قال الرجل ذاته «هذا هو الحق ، ولكن لم نشيد البيوت العامرة أو نرممها ونديمها ونحن غير موقنين من أننا سننعم بها في أيام حياتنا بله أبناؤنا ؛ يذهب باشا ويخلفه آخر من العائلة ذاتها (٢) فيأتي بأصدقائه والمقربين إليه فيطردوننا من بيوتنا ومقاطعاتنا. إن سر خراب هذه البلاد هو انعدام ما تتطلبه من استقرار ومن دوام حكامها ؛ فمهما كانت ميول الأمير فمن الخير أن يتمسك بها طيلة الحياة».
__________________
(١) يشير بذلك إلى قول دارج بين الأتراك «أحمق كالكردي».
(٢) وجدير بالذكر هنا القول بأن باشوات السليمانية كلهم يجب أن يكونوا من البيت الباباني.