بعيد من أن القرويين في كردستان يؤلفون جماعة تختلف الاختلاف الكلي عن رجال العشائر ، وهم نادرا ما يفلحون الأرض أو أنهم لا يفلحونها البتة ، ومن الجهة الأخرى فإنهم لم يكونوا جنودا ، ويسمي الكرد العشائريون أنفسهم بال (سباه) أو الكرد المحاربين تمييزا لأنفسهم من الكرد القرويين. أما القرويون فلا اسم مميز آخر لهم في هذه الأصقاع من كردستان غير (رعية) أو (كويلي). ولقد اعترف لي أحد أبناء العشائر ذات مرة قائلا : إن العشائر ينظرون إلى القرويين على أنهم خلقوا لخدمتهم. وإن حالة هؤلاء الفلاحين الكرد تعسة حقّا تشابه حالة الرقيق الأسود في الهند الغربية إلى حد كبير ، والأنكى من ذلك أنني لم أجد في الإمكان حمل هؤلاء الأسياد الكرد على الخجل من قسوتهم على أتباعهم المساكين (١) والكل يتفق على أن الفلاح يتميز بسهولة من ابن العشيرة القح في الملامح والكلام ؛ وليس له أن يظهر نفسه كالنبلاء من أبناء وطنه.
__________________
(١) إن ما التفت إليه المؤلف من وجود مميزات هامة ما بين العشائر الكردية والقرويين الكرد كان في محله ، لأن المعروف عامة أن العشائر الكردية إن هي إلا وحدات اجتماعية أو رمز خلص من الأقوام (الأيندوآرية) التي نزحت إلى منطقة كردستان إبان عهد الهجرة الكبرى أي قبل ميلاد المسيح بنحو ألف وخمسمائة عام. أما القرويون فالمفهوم أنهم بقايا سكان المنطقة الأصليين يمت أصلهم بأقوام (زغروس) ولكنهم اندمجوا مع مرور الزمن بالعشائر النازحة مع احتفاظ كل من الوحدتين ببعض سجاياها ومميزاتها وإن كانت تلك الميزات أخذت تتلاشى. وهنالك تعبيران يطلقان على القرويين وما زالا مستعملين حتى الآن تمييزا لهم عن زمرة العشائر. وهما «ديكاني» أي أهل القرى والثاني «مسكين ـ» Misken أي الفلاح ، وفي التعبير الثاني شيء من الازدراء.
وهناك حقوق يتمتع بها رؤساء العشائر على القرويين والفلاحين تجعلهم في الحقيقة (مساكين) بالمفهوم المتعارف به. راجع الملحوظة (٩) للوقوف على بعض الحقوق التي كانت لرؤساء عشائر (بيشدر) والمسماة بال (آغايبتي) أي حقوق الأغاوية.