أرسلت بعض رجالي معه لتهدئة روع مصرف ، رجاء أن يسمح لخادمه بقبول الهدية.
٢١ أيار :
تناولت الفطور مع الباشا في الساعة العاشرة من صباح اليوم بدعوة منه ، وكان أدنى إلى طعام عشاء منه إلى طعام فطور إذ اشتمل على شتى أنواع اللحوم الناشفة وغير الناشفة ، ومن ضمن الأنواع الأخرى الصحن الشرقي اللذيذ المعتاد وأعني به الفرهود ـ قوزي ـ المحشي المشوي. وقد هيئت صحون الطعام وقدمت على الطريقة الفارسية التي أضافت مفخرة إلى المهارة الكردية إذ كانت أقل دسامة وأطيب مذاقا من جميع أصناف الأكل التي تناولتها في بغداد في أي وقت كان. جلست مع الباشا في صدر البهو ، وقد وضع أمامنا خوان مستطيل من الخشب المصبوغ ذو قوائم ترفعه عن الأرض بضع عقد ، فصفت عليه صحون الطعام المتنوع ، كما وضعت الصحون التي لم يستوعبها الخوان على الأرض بالقرب منا. ووزعت بين الصحون عدة كاسات مملوءة بأنواع المرطبات ـ الشرابت ـ وكلها مبردة بالثلج وكان بعضها لذيذا للغاية. وقد جثا إلى جانب الباشا على ركبة واحدة كردي بدين كالح الوجه ، وانهمك بسكب مزيج أبيض في كأس كبيرة وضع فيها الكثير من الثلج. وكان الباشا يدير وجهه إليه بين آونة وأخرى ويتناول منه ملعقة كبيرة من ذلك المزيج. وكانت نظرة هذا الرجل اليقظة وهو يفرغ ما تحتويه تلك الملعقة الكبيرة في فم سيده ، مضحكة بحيث لم أجرؤ على النظر إليه ثانية. وكان إلى جانبي همجي آخر في خدمتي ، ولما أدرت وجهي إليه تقليدا للباشا ناولني ملعقة مملوءة من ذلك السائل ، فإذا به الشنين مبردا بالثلج ، ممزوجا بالإجاص الفج المفروم (١) ، وقد كان حامضا بدرجة تسيل الدموع من عين شاربه ،
__________________
(١) بل هو ال «قه زوان» : البطم الفج ـ المترجم.