فلم أكرر طلبه من صاحبي ال (كردوكي). أما رجال الدولة الذين وقف الكثير من الخدم في خدمتهم فقد كانوا حول موائد مستطيلة في الجانب الثاني من البهو ، وقد أقبلوا على الأكل بنشاط جم ، وكانت اللحى تهتز كأنها تساوق وقع لحن بهيج :
ها قد بدا فرح في القوم ، مذ أخذت |
|
لحاهم رقصة من شدة الطرب |
حضرني هذا البيت من الشعر وأنا أرمقهم يمينا ويسارا ، وكاد أن ينال من وقاري واتزاني. لقد لاحظت أن الكرد لا يزدردون الطعام ازدرادا كالأتراك ، بل يتناولونه على مهل ويتسامرون عند الأكل وأن الطعام يوضع أمامهم كله مرة واحدة. وقبل البدء بتناول الفطور قال الباشا قولا أبهج صدر ولد بك أحد رؤساء الجاف فنهض ولد بك الذي كان يتكلم حينذاك وسار متثاقلا راكضا لضخامته بالرغم من جمال مظهره ، سار من محله حتى صدر البهو ماضيا في كلامه طوال الوقت وعند وصوله إلى الباشا بسط الأخير راحة يده فلثمها ثم رجع إلى محله كما نهض منه متثاقلا متباطئا ، أما أعضاء المجلس فكانوا يدخنون وهم على أتم حريتهم على ما يظهر ، ويتكلمون كلّما شاؤوا .. أما في بغداد فلا يجرؤ المصاحبون ـ مصاحبجي ـ المستشارون قط على النظر يمينا أو يسارا في حضرة الباشا ، بل يتذللون وينحنون إثر كل كلمة تصدر من سيدهم ، كما أنهم لا يتكلمون إلا إذا سمح لهم بالكلام.
وفي المساء تكلمت مع محمود مصرف في مختلف أنسال الخيل. إن الخيول العربية لا تتناسل كما يجب في كردستان وإن كان الأبوان نجديين أصيلين فأمهارهما لن تصبح سوى خيول اعتيادية. ولعشيرة الجاف نسل من الخيول الصغيرة القوية ، اشتهرت كثيرا بقوتها ونشاطها.