الطعام. ويضع الأتراك على المائدة صحن الطعام الواحد وبعد أن يتناول الضيف بضع لقم منه يرفع ويؤتى بصحن آخر. ويلوح أن هذه هي الطريقة التاتارية القديمة ، أما الإيرانيون فمتأنون ومتريثون في أكلهم على ما يظهر.
وبعد الطعام ذهب الكثير من الضيوف إلى ديوان الباشا ، ومكث البعض لمشاهدة حفلة موسيقية إجابة لدعوة البك. وكان العازفون عازفي الحفلة الماضية ، وهم من ضعاف الموسيقيين. لقد دار بيني وبين البك حديث طريف عن حالة بلاده السياسية. ولم يخف عني شعوره بمقته للأتراك ، إذ قال لي : «إنهم مجبولون على الخداع والغطرسة ، ولا يحسن أحد معاملة الأتراك كما أحسن ذلك. فمن خطتي تحقيرهم ، وعدم الثقة بهم قط ، فالتركي لا يتصرف تصرفا محمودا إلا إذا حملته على خشيتك وعاملته معاملة فظة». ومع أنني لا أرى رأيه برمته فإنني أشعر بأن بعض ما يقوله حق. لقد أعد البك العدة للقيام بمباراة صراع بعد ظهر الغد ، ورغب في أن تقام بداري ، إذ كان يرى في مجيئي إلى داره مرتين بعض التكلف ، بيد أنه لم يكن في داري فسحة لإقامة مثل تلك الحفلات فيها. وقد رجوته أن يتخلى عن المراسيم والتكلف في مقابلاتنا وصلاتنا في المستقبل.
ولقد أتيحت لي الفرصة اليوم لأن ألاحظ أمرا كثيرا ما استرعى انتباهي ألا وهو أن الصلاة الشرقية ليست إلا أمرا نمطيّا رتيبا (روتينيّا) ، فعندما قامت الجماعة مساء اليوم للصلاة عند آذان المغرب تمتم البك ببعض الأدعية الدينية مدة بضع دقائق قبل أن يشرع أو يبدأ بالصلاة بخشوع عظيم ، ولكنه في فترات الركع ، على إثر سماعه ملحوظة تافهة أبديتها لرجل كلمني (في فترات الصلاة كذلك) ، أدار وجهه ليجيبني ، ووجّه الأوامر إلى خدمه الذين كانوا على وشك تهيئة العشاء منشغلين في نقل الأطعمة ، ثم استأنف الصلاة بركعة أخرى. وكثيرا ما لاحظت عدم