المبالاة والاكتراث من لدن المسلمين إذ يتكلمون أو يتعاتبون أو ينظرون إلى ما حولهم وهم ركع ولا يزالون يتعبدون. والواقع أن هذه الصلاة صلاة أسلوبية لا تتغير ، بل تتردد وتتكرر بين الناس بدرجة أنها أصبحت تحاكي التمثيل الصامت المضحك. وعندما عاد البك فجلس على الأريكة (الصفة) والخدم منهمكون يصفّون الصحون ، صار يسبّح باسم الله وينقطع عن التسبيح في فترات ليبدي بعض الملحوظات التافهة.
٣١ أيار :
قضيت صباح اليوم مع عبد الله باشا ، وذهبت بعد الظهر لمشاهدة المصارعة وكانت الساحة مكتظة بالجمهور واعتلى بعض المشاهدين الجدران حيث سمح للجميع بشهود المباراة. وقد تصارع بعض المتبارين على الطريقة القروية دون إلمام كبير بأصول المصارعة ، إلا أن الكرد سرّوا لما شاهدوا وكان عثمان بك أكثرهم سرورا. وكان اثنان من المصارعين من رجال عزيز آغا ابن مصرف الأكبر ، وهو شاب لطيف أعجب بي الإعجاب كله. وقد ناصرت رجاله ضد رجال البك ، ولكن الحظ لم يسعفني في مناصرتي لهما إذ طرح الاثنان أرضا. هذا وإن الكرد أشد الرياضيين الذين أعرفهم عزماء سواء أكانوا صغارا أم كبارا ، شبابا أم شيوخا ؛ والرياضة هواية الشعب المستحبة لديهم. وقد جمع البك جماعة ليجيئوا داري بغية إظهار حذقهم في لعبة السيف.
وعند رجوعي إلى الدار ، أرسلت له هدية من أجود مسدساتي وقد سرّ لذلك كثيرا غير أنني علمت أنه لا يحتفظ بما يهدى إليه أكثر من شهر واحد ، وأن من يطلب منه حاجة يملكها ، إنما يطلبها وهو متأكد من نواله إياها. غير أني جعلته يعدني بأن يحتفظ بهديتي تلك للذكرى.