ومن بين العوائل الحاكمة في كردستان عائلة (بهدينان) وعاصمتهم العمادية (١) وهي من أشرف العوائل ، بل وينظر إليها نظرة تقديس لانتساب أفرادها إلى الخلفاء ، ولكن نظرا إلى قدم اسم العائلة فقد تكون أقدم من الخلفاء عهدا (٢) ولا يجرأ أحد على استعمال أي آنية أو غليون يشبه ما يستعمله أمير تلك العائلة ، حتى ولا حامل غليونه حين يطلب إليه أن يولعه أو يختبره قبل تقديمه إلى سيده. ولشخص الأمير من القدسية ما يحمل العشائر في أشد المعارك أن يسقطوا السلاح من أيديهم إذا ما اقترب منهم ، ومع ذلك فإن سلطته معدومة ، أو قليلة جدّا على القبائل المحاربة الشديدة المراس التي تتألف منها رعيته. وهو لا يجبي أي مورد من موارد مقاطعاته ، ولكنه إذا أراد مبلغا من المال لأي غرض طارىء امتطى بغله وطاف على رؤساء القبائل ونزل عند كل منهم ليلة ، وعند ذلك لا يسعهم استجابة لحقوق الضيافة أن يرفضوا له طلبا ، وفي الصباح عندما يغادر مضيفه يتقدم رئيس القبيلة التي قضى عنده الأمير ليلته بمبلغ من المال كهدية له.
وهو يتمثل بأطوار الخلفاء العباسيين المتأخرين ، إذ يقضي يومه في عزلة ، فيقدم له خادم طعامه ويتركه حتى ينتهي منه. وبعد أن يتناول كفايته من الطعام يسوي ما تبقى في الماعون منه كي لا يلحظ أحد من أي جانب تناول طعامه ، ثم يدعو أحد الخدم ليرفع المائدة وليأتي له بالإبريق والطشت ليغسل يديه ، ثم يجيئه بغليون وينصرف عنه. والباشا أنيق في ملبسه ، وهو على الطراز الموصلي تقريبا. ويضع على رأسه شالا كشميريّا
__________________
(١) يسمي الأهلون العمادية (ئه ك بادان) أو (ئه ك به د ه ن) وهي على جبل وتضم (١٠٠٠) بيت تقريبا للمسلمين و (٢٠٠) دار لليهود و (٥٠) دارا للنسطوريين وبعض عوائل اليعاقبة والأرمن ـ راجع الملحق. (أما اليوم فيطلق الكرد اسم «آميدي» على العمادية كما يطلقون اسم «آكري» على عقرة ـ المترجم.
(٢) إنني أعتقد أن (زورو آتر) كان من بلاد العمادية.