لاحظت أن جياد جماعته كانت أفضل وأحسن أداء منه ، ولو فشلت الخيول في إنجاز هذا الواجب لكان الأجدر أن يقوم مقامها بعض رجاله النافخين بالمزمار والضاربين على الطبول وراكبي البراذين الحقيرة ، وهم يؤلفون جوق الكتيبة الموسيقى أو «المهتر خانة». وعندما تراجعت هذه الخيول إلى الوراء وساد السكون ، بدأ أحد الإيرانيين من ذوي الصوت الجهوري بترديد أغنية عن المصارعين ، وهو يضرب على «الدنبك» ضربا مزعجا ، ولقد حاول البك الكلام وكان كلامه مما يرى ولا يسمع ، فأجبته بمثل كلامه. سرنا جنوبا بموازاة حضيض التلال التي كانت تتقعر فتكون أشبه بشيء بالمسارح المدرجة. وعندما وصلنا أرضا منبسطة بدأت مباراة الجريد ، والمراشقة بالرماح ، والكرد جميعا فرسان جريئون ، وإن لم يكونوا فرسانا أصوليين. وكان ينفخ في المزامير وتضرب الطبول أثناء المراشقة ، مما جعل المشهد جميلا مبهجا ، وقد هرب جواد أحد الكرد بصاحبه وسقط آخر مع حصانه بسرعة متناهية فأصابه أذى كبير ، وإن لم يكن بالغا.
وفي السابعة والنصف بلغنا مضربنا عند التلال وعلى مسافة ميل واحد في الشمال الشرقي من أحمد كلوان ، وكانت مساكننا التي تفضل فشيدها لنا خالد بك واقعة عند منبع جميل ، وهي تتألف من عدة سيباطات تمر باثنين منها ساقية صغيرة ، وقد كوّن منها حوض ، وسيجت السيباطات بكاملها بسياج من الأغصان محاك حياكة دقيقة ، وشطر محيط السياج بسياج آخر قسم الساحة إلى حرم وديوان ، وكان إلى جانب كل من الحرم والديوان حقول حبوب لم يزل الحاصدون يحصدونها وهم يتغنون بقصة «فرهاد وشيرين» بالشعر الكردي.
استأذن ثاني أبناء البك للعودة إلى بيستان ، وكان معه خمسة أو ستة رجال ، أما الولد الأكبر وهو محمود بك فقد بقي معنا للقيام بما يتطلبه واجبه في مضربنا. وفي الليل شاهدته وهو يقوم بالدورية بذاته حول