والرجال الذين قابلتهم هنا ـ وكلهم كورانيون ـ يتخاطبون بالكردية الكورانية ، ولكنهم كانوا يكلموني بالفارسية ، وكانوا جميعهم يرتدون اللباس الإيراني الأمر الذي لا ينشرح له الصدر ؛ وهم لم يتصفوا بأي حال من الأحوال بالصراحة والرجولة اللتين يتحلى بهما أصدقائي البابانيون. ولا شك في أن اللباس الإيراني ، والعادات الإيرانية كانت نابية عنهم ، هذا وإنني أعتقد بأنهم يعتبرون في هذا الباب أحط منزلة من الكرد ، فهم في مظاهر تبدو عليها الذلة. وقد قال عمر آغا فيهم «إنهم ليسوا من القبليين» ولا بد لي أن أعترف بأن عمر آغا كان في مظهره على النقيض منهم تماما ، فهو بمظهره العسكري البين وبلباسه الفضفاض وعمامته المرقطة المنحسرة إلى الوراء والتي تكشف عن ناصية جميلة تنم عن كل معاني الرجولة ، كان كالأمير بينهم ؛ وقد وجدته واسع الشهرة عظيم الاحترام في هذه الأوساط.
٢٦ آب :
يختلف الإيرانيون عن الأتراك في ناحية واحدة وذلك في أنهم لا يتركونك وشأنك ، فقد ينزلك الرئيس التركي في داره مرحبا بك ثم ينصرف عنك ، إلا إذا رغبت فيه ، وعلى الأخص إذا كنت مصحوبا بسيدة ، أما الإيرانيون فيتجمهرون حولك ليلا ونهارا ، ولا سبيل للتخلص منهم ، وإن كنت خارج المدينة. لم تستطع قرينتي أن تغادر غرفتها لنزهة في الجنينة ، وعلمت أننا نتمكن من فضهم من حولنا إذا سكنا المدينة. ولما كان المضيفون يرغبون في سكنانا في الجناح المعد لنا في القصر وكنت أيضا من الراغبين في مشاهدة شيء من المدينة ، وافقت على الاقتراح وغادرت الحديقة صباح اليوم. وبعد أن هبطنا راكبين المنحدر الذي شيدت عليه الجنينة إلى وهد قذر ، وصلنا بعد بضع دقائق إلى سور المدينة الخارجي وهو من «الطوف» ومن هنا ارتقينا شارعا وعرا رديئا