الضجيج والارتباك فلم يفارقا المخيم طيلة النهار حتى استقر كل من الجماعة في مكانه وحتى استقرت الأمور كما يجب. وأمطرت السماء في الليل مدرارا فتعرض لها البغالون والخيامون المساكين ، والحيوانات ، ذلك إذ لم يفكر أحد قط بحاجة هؤلاء إلى الخيام.
١٨ نيسان : ر
كبت والمستر (به لي نو) (١) في السادسة والربع وبرفقتنا عدد من الخيالة الخفيفة من حاشيتنا ، قبل أن يتهيأ الآخرون للرحيل من المخيم. شعرت بارتياح كلي لتخلصي من الارتباك ومن ضوضاء عدة لغات متباينة. فالضوضاء ، وصهيل الخيل ، ودقات أجراس البغال ونباح الكلاب كلها من متممات المخيمات الشرقية عادة.
وتبعتنا رفيقتي من بعد ، بتختروانها مع حاشيتها النسوية ، وهن في الكجاوات (نوع من المحامل تحمل على جانبي البغل) ومع بعض الخيالة للحراسة.
تقضي علينا العادات ، أو المراسيم التركية أن نفترق بجماعتنا تمام الافتراق. تركت الخيار للقوم ليتبعوا عاداتهم ، وينظمونا وفق تقديرهم للمراتب والعادات. فإنني عودت النفس على الدوام على اتباع التقاليد
__________________
(١) المستر (به لي نو) ألماني من (توين غه ن Tubingen). من مقاطعة (سوآب ياSuabia) وقد تعرف عليه المستر ريج في (فينا) حيث كان في الكلية. إن شغفه بالأدب الشرقي ، ورغبته في زيارة الشرق جعلاه يقترح على المستر ريج بوساطة (فون هام مه ر) مؤرخ تركيا ، وهو صديق معروف ، أن يستصحبه معه في عودته إلى بغداد. وقد سرّ ريج لتمكّنه من إسعاف رغبته بمنحه منصب السكرتير الخاص له.
لقد كان شابّا محبوبا ، مثقفا ثقافة عالية ، يميزه الحماس الذي عرف به مواطنوه ، ومواظبتهم ، واستقامتهم. وكان ذا قسط وافر من العلم ، مولعا بدراسة الأجرومية واللّغة ، متحمسا لتتبعاته ، ومكرسا وقته لها بروح ألمانية حقة.