المحلية على قدر ما يرتاح له ضميري ويقتضيه شرف بلادي. فالأتراك متمسكون بالمراسيم ، وهم قوم يحرصون كل الحرص على المظاهر والأبهة ويؤمنون بضرورتها ، وينظرون إلى كل من يتهاون في أمرها كما لو كان وضيعا وجاهلا ، وغير معتاد على آداب المجتمع الراقي. وفوق كل ذلك فإنهم يستنكرون تعرض النسوة للأنظار ، والأسماع. وإنني لأميل إلى الاعتقاد بأن التركي الذي يتغلب على اشمئزازه من مثل هذه الأمور لا بد وأن يكون ممن أضاع البعض من خصاله الطيبة. ومهما كان الأمر لقد ثبت ذلك لي فيمن تعرفت عليهم. وإني لمتأكد التأكد كلّه بأننا لم نحظ بالحرمة التي لاقيناها واللطف الذي شملنا من المسلمين إلا لاحترامنا عاداتهم في هذه النواحي وعدم مسّنا أحاسيسهم بإنكارنا عليهم معتقدات لا تضر ، ولا ينتظر منا أن نقلعهم عنها على كل حال.
أصابنا التعب الشديد في مسيرة يومنا هذا من جراء الأوحال. وبين الثامنة والتاسعة ترجلنا لتناول كوب من القهوة في مكان اسمه (محسن باك) (١) وهو ضريح إمام صغير كائن على قناة متشعبة من الخالص (٢) وقد وصلنا إلى موقفنا في الثانية عشرة إلا ربعا ، وكان في قاع قنال مندثر.
١٩ نيسان :
هبت بعد ظهر البارحة العواصف من الشرق والشمال الشرقي ، وفي السابعة والنصف هطلت أمطار شديدة ، وأبرقت السماء وأرعدت. ثم خفّت العاصفة ليلا ، وتبددت الغيوم بعض التبدد ، إلا أنها أعادت الكرة علينا بعد منتصف الليل بعاصفة أقوى شدة ، وبمطر غزير وبرق
__________________
(١) جاءت تهجئة مثل هذه الكلمات في الأصل بطريقة غريبة عن التهجئة المتبعة في الإنكليزية في الوقت الراهن. ويشعر الإنسان عند تلفظها بعجمة محسوسة ، ففي (Mukhsen Pauk) (مخسن بوك) (الخاء) Kh (حاء) h ، و (الواو) au (ألف) ـ المترجم.
(٢) الخالص ، قنال يتشعب من ديالى ويصب في دجلة.