عليهم. وعلى أثر انفضاض الجماعة الأولى بهذه الطريقة وفراغ الدائرة منهم قفز إلى وسط الساحة كردي ضخم أخذ يضحك الناس لبضع دقائق بقفزاته المتنوعة وبعض ألعابه التي مارسها مستعينا بمقمعة كبيرة كان يحملها. ثم بدأت الموسيقى تعزف ثانية لحن الدبكة (الجوبي) فتقدم رتل من ثلاثين امرأة تقريبا متماسكات الأيدي بخطى وئيدة رشيقة وهن على أتم ما يكون من التزين بالزراكش الذهبية وأثواب الحرير الملونة ، دون أي حجاب. لقد كان منظرا بديعا حقّا ، بل كان أمرا جديدا بالنسبة لي ، إذ لم أر حتى الآن النساء في الشرق ـ وخاصة السيدات منهن ـ مختلطات بالرجال بمثل هذه الحرية دون الالتجاء إلى التحجب ؛ بل إن نساء العشائر العربية أكثر تحجبا بالنسبة إليهن.
تحرك صنف السيدات هذا ببطء وتموج حول الساحة ، وهن في رقصهن يتقدمن حينا خطوة نحو مركز دائرة الرقص ويتراجعن حينا آخر ، ويهززن قاماتهن ورؤوسهن هزّا متزنا ، ظريفا كل الظرف. لقد كانت النغمات هادئة متئدة ، أما السيدات فلم يقمن بأية حركة نابية في رقصهن ، ولم يبالغن فيه. لقد انشرح صدري لهذا المنظر الذي دام قرابة نصف ساعة. ثم انقطعت الموسيقى فانسحبت السيدات إلى بيوتهن ، بعد أن تحجبن من القمة إلى الأخمص ، وهذا أمر يعتبر في الواقع تدبيرا لا محل له ، إذ من شاهد الرقص من الرجال كان أكثر عددا ممن يحتمل أن يقابلنه في شوارع السليمانية ، وأغلبهن كن جميلات فاتنات.
قد يكون من العبث أن نقول بعد وصفنا هذا المشهد بأن النساء الكرديات في بيوتهن أقل تحجبا من النساء التركيات بل والعربيات. ويسمح للرجال من الخدم بالدخول إلى بيوتهن ، وهن لسن متحفظات كثيرا في التحجب حتى أمام الغرباء ، وعندما يخرجن إلى المدينة يرتدين إزارا أزرق محققا كالذي تلبسه نساء بغداد ، ونقابا أسود من شعر الخيل ، ومن النادر أن يرخينه فوق وجوههن إلا إذا كن من سيدات الطبقة العليا