فاستعطفها لتعود معه. فأجابته قائلة : «إن هذا لمستحيل ، إنك مسلم وأنا إفرنجية. وإني لذاهبة إلى موطن آبائي ، فوداعا ، وإياك أن تقترب مني وإلا أصابك مني الأذى» ولكن الفقيه أحمد المتيم أصر فرفعت رمحها وطعنته في كتفه فسقط وولت هاربة ، ولم تبتعد كثيرا حتى شعرت بأنها قد قابلته بقسوة إزاء لطفه معها عندما كانت حياتها بين يديه ، كما أنها رأت أن بعلها وإن كان مسلما ، فإنه كان أبا لأولادها ، فرقّت له ورجعت إليه فوجدته لا يزال على قيد الحياة فوضعت على جرحه مرهما قويّا دفع عنه الخطر ويسر له الإسعاف ، وما كان إسعافه ببعيد ، فتركته ثانية إلا أن الزوج العاشق الغيور لم يقلق راحته بعد أن التأم جرحه وشفي إلا ما قاساه من معاملة زوجه الخشنة غير أنه بقي عند رأيه في ملاحقتها وإرجاعها ، فطاردها حتى وصل فرنكستان ـ بلاد الإفرنج ـ وذات مساء ألقى عصا الترحال في مدينة كبيرة ، سمع فيها أصوات الطرب والأنس ، وكانت ـ المهترخانة ـ الموسيقى تعزف والمشاعل موقدة وغير ذلك من الاستعدادات والترتيبات التي تتخذ عادة في أفراح ال «طوى» (١).
«ظل حائرا في أمره يبحث عن مكان يقضي فيه ليلته ، وأخيرا قرر أن يترك أمره للأقدار تفعل ما تريد ، وأن يرحل إلى حيث يقف جواده. فأرخى العنان له فوقف الجواد عند باب دار امرأة عجوز فضيفته عندها ، وبعد أن تردد سألها عن الأفراح التي شهدها فأخبرته أن بنت الملك كانت قد ذهبت لمحاربة المسلمين ، وأنها رجعت من الحرب أخيرا بعد أن غابت عدة سنوات وأنها ستتزوج من ابن عمها. فتوسل الفقيه أحمد إلى الامرأة العجوز لتدبر أمر السماح له بدخول حفلة الزواج كمتفرج ، وقد وافقت العجوز أخيرا على أن يتنكر في لباس النساء. وهكذا استطاع أن يكون بالقرب من كيخان الجميلة وزوجها العتيد في أثناء مقابلتهما
__________________
(١) كلمة تركية معناها العرس.